اقتباسات من رواية الصيف وفصول أخرى

لماذا يخرج الحنين في اللَّيل، حين تهبّ نسائمٌ خفيفة على الوجه والجسد فتسري قشعريرةٌ تنتقل من العمود الفقريّ إلى الرأس والقدمين والقلب النحيل الهالك؟

‫هكذا بدأت الرحلة وكلّ الرحلات التي يمكنك أن تتخيّلها تبدأ وتنتهي بالطريقة ذاتها، كلّ طريقٍ تمضي به يسير بك إلى طريقٍ آخر، والنهاية التي تتوقف عنها تفتح لك آفاقًا أخرى، وما ترميه السماء تتلقّفه الأرض، فلماذا أنت حزينٌ وقلق؟ ربما الحزن و القلق جزءٌ من كونك إنسانًا .

‫ إنها لمشكلةٌ سواء إن كنت تعرف أو إن كنت لا تعرف. دائمًا ستعاني من جهلك أو من معرفتك.

لماذا ينسى المرء أحبّته، لماذا يعاملهم على أنّهم الشيء الوحيد الخطأ على هذا الكوكب، إن لم يكونوا قادرين على الحبّ فلماذا هذا الكره كلّه؟

العواطف، إنها الإثبات الوحيد على أنَّ الشيء الذي تتعامل معه بشريٌّ تمامًا.

في البداية تكون قلقًا لكن حين تظهر العواطف ترتاح، وتبدأ في الانتباه إلى ملامح الشخص فتكتشف أنَّ له أذنين اثنتين وفمًا واحدًا وعينين وساقين وأنه مثلك تمامًا، فتنسجم معه وبعد فترةٍ من المعرفة العمياء تكتشف أنّه يخون، الكائن الحساس ذاته، الذي أحببته لأجل عواطفه، ها هو يستخدمها ضدّك، فتحاول أن تبرز له عواطفك أنت أيضًا، وتظلّ في دائرةٍ مغلقةٍ مع ذاك الإنسان، الذي كان شيئًا بليدًا في البداية.

إنها ليست قضيةً كبرى، تسافر وتظنّ بأنك في مكانٍ ما داخل قلب أحدهم، وتتعامل معه على هذا الأساس، لكنك مع الوقت تكتشف الحقيقة المرّة التي تمَّ تحويرها، لستَ الشخص المفضَّل بعد الآن وأقصى حديثٍ يمكن للطرف الآخر أن يخوضه معك هو عن أسعار العملات وكيف ينفق المال الذي يصله منك وكيف يعتني بصغارك، الشيء الوحيد المشترك الذي ظلَّ يجمعكما .

أتعرفين حين يكون في حياتكِ شخصٌ ما، تحبّينه كثيرًا، يعرف كلّ شيءٍ عنكِ، كلَّ شيء، وفجأةً يأخذه الموت منكِ أو يرحل فحسب، حينها فقط ستعرفين أنَّكِ عاجزةٌ عن الالتقاء بغيره، شرح قصّة حياتكِ من جديد له، إخباره بلونك المفضل، أكثر القصائد قربًا لقلبكِ، متى تستيقظين وكيف تحبّين بدء يومكِ، هل أنتِ حمقاء أم محنَّكة، تنكمش ملامحكِ وقت السعادة أم تتسع، تنامين بهناء أم تعانين من أرقٍ لا ينتهي، وملايين الأشياء الأخرى التي سيكون عليكِ إعادتها، ودائمًا، كلّما قلتِ شيئًا كان يعرفه الشخص الراحل ستتذكرين جوابه وستقارنينه بالجواب الجديد، بامتعاضٍ شديدٍ وألم.

ما الفقرة التي قد يحفل الإنسان بها؟ كلَّما مرَّ بمرحلةٍ أراد باشتهاءٍ كبير أن يتجاوزها وينطلق إلى أخرى باستثناء الشيخوخة، لم تكن مرحلةً مفضلةً عند أحدٍ مهما ادّعى انتظارها بشغف.

تدرك في قرارة نفسها أنها أضاعت ما فات من حياتها مع شخصٍ سيفسد ما هو آتٍ من أيام. وسيكون عليها أن تسير كالضمادة وراءه، أينما خلَّف جرحًا، ترتقه، تخيطه وتضمّده، بيديها المليئتين بالتصبغات والألوان.

الناس في هذه الأيام يحبون المال والثروة والتطوّر والحداثة وكل شيء يُغني عن استعمال الأطراف والحواس والعقل.

أغلبهم يعيش ويموت أسيرًا للصورة وللواقع الافتراضي الجديد، لا يعيشون اللَّحظات بل يصوّرونها، يحاولون تخليدها لا كشعورٍ بل كلقطة

الحياة مشاهد، لقطات، طويلة أو قصيرة تُجمع معًا وتسير بك حتى النهاية. نحن لا ندرك أبدًا بأنَّ الحياة، كلّ الحياة ما هي إلا مشاهد، إلا عندما نموت.

ألا يبدو غريبًا عالم الصور هذا؟ في البداية تلتقطين صورًا لوجهكِ محاولةً إظهار سعادتكِ قدر الإمكان، ثمَّ تجيئين إلى المشفى ويطلبون منك صورة لما بداخلكِ، صورة كبيرة لعضو ما يؤلمكِ.. أحيانًا لا يكون العضو ذاته هو المؤلم..

‫من السهل أن نقول الكلمات، سواء كان لها معنى أم لا، هي في النهاية موجودة لتُقال، ويملك الطرف الآخر حرية السماع لها أو تركها ترقص فوق الرأس ليحملها الهواء فيما بعد ويأخذها معه، فيستنشقها أشخاص آخرون، أو تعلق على غصن شجرة او تذهب إلى أي مكان آخر .

كيف ترك ابنته بين يديّ رجلٍ كهذا ولم يفعل شيئًا حتى ماتت نصب عينيه. إلا أنَّ شيئًا كهذا لم يوقفه، فهو يؤمن بمبادئ لا يستطيع أحدٍ أن يوافقه عليها، قرَّر أن يدسَّ تلك المبادئ في مصطلحٍ صغيرٍ أسماه الصرامة، كمبرِّرٍ واضحٍ لكلّ أفعاله.

كان والده على حقّ حين أخبره بأنَّ بعض الأشخاص في هذه الحياة لن يعيشوا بسعادة؛ لا بسبب الظروف، بل بسبب ما يشعرون به إزاء العالم والنّاس، لن يتصالحوا مع أنفسهم قطّ.

إنّها عادته المستفزة والتي لا يمكنه أن يطوّرها أو يحسّنها ولو بقدرٍ ضئيل، فقد كان يعيد الأشياء الفارغة إلى أماكنها بدلًا من وضعها في القمامة، كأنَّ ما يُعيده ذكرى عزيزة أو موقف يحبّه، وكأنه بإرجاعه لهذه الأشياء يمنع الذكريات من الركض بعيدًا عنه ويخبّئها في مكانٍ ما قَصيّ يعجز حتى هو أحيانًا من العثور عليه.