اقتباسات من رواية رام الله

إن الحنين إلى الماضي، يؤخر مضيه. والخوف من المستقبل، يؤخر حلوله”.

أما الإنجليز فوضعوا عتادهم عند النقطة التي أثخنت فيهم فكان أول مقر عسكري لهم في رام الله، وستظل هذه عادة القادمين، يستوطنون في المواضع التي عُرِكُوا فيها، حتى كأن مجرد وجودهم فيها تأكيد على انتصار.

بدا له أن مجتمعه ومنذ قرون عالق في هذه الذهنية القائمة على خلق مساحات من الأفكار والمعتقدات غير القابلة للفهم أو التعقل، ليس لأن الفهم قاصر، بل لأنها قائمة في مساحة لا يمكن للفهم السويّ الولوج إليها قناعات أشبه بالألغاز

‫ ما يحصل، حين لا يفلح المعزون بالتعزية، أن صاحب العزاء نفسه يبدأ بقول ما يفترض أن يُقال له. الصمت سيء في التعازي، وصاحب الكرب يدرك ذلك سريعًا ويمنعه، ولو بتبادل أدوار بين المعزّي والمعزّى.

‫ صاحت ديكة القرية من فوق المزابل والعلالي تناهقت الحمير وردّت عليها الكلاب نفضت خيول الميسورين عن بدنها هوام الليل وعوالقه وانبعثت من أخطامها أنفاس حرّى خللت الشمس بين أوراق الشجر، أضاءت زوايا قصيّة من الدور المتلاصقة، لمع تحتها حجر

ترجيح جلطة حادة أو مضاعفات لضغط دم مفاجئ أثر على عضلة القلب فتضخّمت.*+١

لم تكن يافا غريبة عن بطرس النجار، زيته يباع فيها منذ سنوات، واشترى من تجار فيها أحمال سكر وأرز وباع شيئًا منها في رام الله وتاجر مع شيخ من نابلس في البقية، وله في يافا معارف وأصدقاء تردد عليهم.

البيض والجبن تضعه هيلانة، فيه القطين والزبيب والجوز وتقول: "كلي من خير أبوكي" تأكل نعمة مرة وتمتنع مرات، وتفكر في إخبار أمها ‫ أما هيلانة فتفكر في مهمتها الجديدة، تزويج نعمة موسى في ملكوت الله الآن، وعلى الأحياء تدبر أمورهم الأرضية

عقدًا فضيًّا في رقبته، هذا إن انزاحت الياقة وأظهرته، ولا يمكن له في وضعية كتلك تبيّن شكله ولا التعليقة في منتهى استطالته، لم ترها إلا ريما وسمر وسامر وأصدقاء قلة ظلوا في سهرات طويلة جميلة في شقة الدكتور عماد، حوت من العفوية واللطف والحر .

شيرت كحلي من ماركة بولو بحصان صغير أسود، وجاكيت خفيف أسود من قماش نايلونيّ، وحذاء جلدي بنيّ كأنه والحزام صنعا من خامة قديمة واحدة وفي يسراه ساعة بلاستيكية خضراء فاقعة، توحي بشباب مفرط، أصرت سمر وأمها أن يلبسها في عيد ميلاده الأخير.

سواد الناس فكانت القدس ونابلس وبيت لحم، ويافا وحيفا والناصرة، حدود عالم صغير تهمهم أخباره ولا يعنيهم ما بعده ومنهم من تتحدد الدنيا عنده بالنبعات والسواقي ومصاطب الصخر، يدورون في مدارات أزلية من شجر وحجر وماء حتى كأنهم جاهلون أن وراءهما ثمة عالمًا آخر.

قالت أمه عن جدته: ‫ "إن الله يتلطف بعاشقيْن حُرما الحياة معًا، فيميتهما في ليلة واحدة يمنحهما تشارك الموت، بعد حرمانهما تشارك الحياة" ‫ حرّك الهواء الساخن الوالج إليه من نافذة السيارة شعر ذراعه ومقدمة جبهته ارتخى في مقعدة ينظر الأفق البعيد.

تعلّم رؤية النقص في كل شيء، نقصان الحياة مُسَرٍّ، هذان اللذان يضحكان، سيبكيان غدًا. هذا الجمال سيخبو. هذا الحب سيُعتاد. هذا اللون سيبهت. هذا اللحن سيقدُم. هذه الطلاوة ستبلى. هذه النضارة ستبوخ.

رفيعة فلسطين، من نهرها إلى بحرها يمكن أن يقطعها طريق سريع بأقل من ساعتين. هذا الشريط الضيق يشغل البشرية. هذه الجغرافيا النحيلة تحتلّ أكثر التاريخ، تتمدد فيه وتتمطى، فننسى نحولها الفادح.

صيف رام الله يبخّر في نهاره المشاعر فيمطر ليله نهايات.

كانت الحرب على بعد طلقة، على مرمى نداء، على طرف كلمة، يحسها من عاشوا قبلها بقليل من الدراية بما يحدث في هذا العالم الواسع، من يقرؤون الجرائد.

لعله بكى حين رأى نفسه في المرآة، رأى النسخة الجديدة منه دون زوجة حبيبة. رجل ماتت زوجته، هو من أقلية في عالم الرجال، من تموت زوجاتهم قبلهم.

‫ حكايتكم مع المدن ليست حكاية مفرحة وإن كان يمكن اختلاق مسار من المدن فستكون في قلبه بيروت، تعطي المسار معناه، ما قبلها وما بعدها مسار اللجوء والثورة والخسارة، مركز ما بدأ في فلسطين، وأراد فلسطينيو المنظمة أن ينهوه

حتى الذي تشرّب قناعات توحّد مستضعفي العالم، ونادى بوحدة الشعوب وهتف لأمم ورجال لا يعرف عنهم إلا أسماءهم وأخوّتهم في النضال، تَدَيّنَ بفلسطين ومثلثها.

إن كنا لن نخبرك إلاّ بما يمكن أن تجده في الكتب، فما نفعنا؟ إننا منذورون لحكايتنا، حكاية دار النجار، وكل ما انسل منها من حكايات وما انتسج إليها من أقدار. وحكاية دار النجار، حكاية لرام الله.

#رام_الله