فيض الخاطر الجزء السادس
أحمد امين
مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
إصدار 2012
صفحة 609
⭐️⭐️⭐️⭐️
كعادته الاديب الأريب يأخذنا في مقالاته في جولة سحرية ما بين الأدب والإجتماع والفلسفة والسيرة الذاتية والدين فيحدثنا عما يعتمل في القلب والعقل معا لتجد نفسك منشرح الصدر مطمئن البا تأخذ الحكمة الخالصة وهي للعجب تليق بما نعيشه اليوم في كثير من الأحيان فهيا بنا نتناجى في بعض الامور.
من منا لم يحلم بقوى خارقة أو عفريت عتيد يحقق له أمانيه ولكن علينا أن نحذر مما نتمنى فبعض الأمنيات قد تتحول إلى لعنات فها هو الكاتب تمنى ما لم يستطع عليه صبرا فلما كُشف عنه الحجاب رأى عجب العُجاب وانقلبت الأمور رأساً على عقب فاذا بالعظيم حقير والعكس والتاريخ يتبدل وينسب لغير أهله والبعض يُمحى عن قصد ليكتشف الكاتب أن الحياة كمغفل جاهل وسط جمع من المغفلين خير من له من الحياة عاقلا وسط كل تلك الغفلة.
وفي مقال آخر يحدثنا عن القلب ولكن ليس القلب بمفوهومه العادي من شرايين وأوردة ولكنه القلب بمعناه الروحي ذلك الذي يعنى بالحب والكرة والقسوة والرحمه وغيرها من علاقات والذي يجب ان نتعهده ونغذيه دائما ليكبر ويصلح وهنا غذاءه الحب المطلق للجمال والخير وليس حب النفس المرادف للأنانية فذلك يضعفه كما اخبرنا أن القلب الروحي قد يصاب بالعمى كما قال الحق تبارك وتعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارَ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ وفي الختام يخبرنا أنه إذا أردت ان تحكم على أمة فاستمع لنبض قلبها فهو الذي يبين مدى صلاحها من حاكم ورعية.
في إطار ديني حدثنا الكاتب عن علاقة سيدنا محمد بالتوحيد وكيف انه قام بالدعوة في شبه الجزيرة وكانت متفرقة لأشلاء كل قبيلة لها قانونها والهها ولكنه حينما نادى بالتوحيد كان هو طوق النجاة فتجمعوا بعد تفرق على مذهب واحد ورب واحد واصبحوا قوة عظيمة وتسأل لماذا لا يُطبق التوحيداليوم ليسود الحق والعدل بين الناس ولكنها التفرقة ضاربة جذورها في الأعماق الآن وهي سبب ضعف المسلمين وضياعهم.
"في الهواء الطلق" نستمع لحديث الاصدقاء عن سبب الشعور بالحزن في وقت الغروب مثلا وكيف أن الأمر يتعدى لما هو أكثر فيتحول إلى مقارنة بين الشرقيين والغربيين في طباعهم فيكون الشرقيين أميل للحزن عن الغربيين لتبدأ رحلة البحث عن السبب هل هم دعاة الامة الذين تبنوا فكرة الترهيب عن الترغيب أم هي الثقافة الفنية التي توحي بالحزن أم هو الشعور بالعجز أم البيئة المحيطة وغيرها من الأسئلة التي تظل مطروحة إلى لقاء اخر.
وفي الحديث عن الحيرة نجد الشباب مشتت بين التوجهات السياسية والدينية وغيرها لا يعرف اي طريق يسلك هل يتبع تعاليم الدين التي ترى في من يخالفها ضال ام يتبع طرق الحداثة التي تدعوا لاعمال العقل والفكر فبالرغم من كثرة الصالحين لا يوجد زعيم لهم يوحد الكلمة والرأي والتوجه وهو ما رجاه الكاتب متمنيا أن يكون هذا التخبط والظلام بشارة لبدء عصر جديد من الهداية.
وها هو في "على هامش الحكم" يحدثنا عن وظيفة الحاكم وحقوقه وواجباته وينفض عنا الفكرة البالية بأن الحكام كالقدر حتى مقولة إن صلح الرعية صلح الراعي يفندها ليبين لنا اننا نحن مصدر الإصلاح للحاكم إن هو جار وشت عن الطريق المستقيم ويجب علينا ألا نسكت عن حق ابدا.
و"في الهزاء الطلق" نجده يتحدث عن التقدم المستمر للعالم وما اسبابه وهل حقا العالم في تقدم مستمر أم هي وجهة نظر قاصرة إذ أن الإنسان إذا أُمتحن عاد لبدائيته وتوحشه كما هو الحال في الحروب وإنما التطور يكون في الطبيعة وخدمة المجتمع أصدق.
وها هو في "خطاب" يبوح لنا بمكنون نفسه عن وحدته في مرضه وتفكره في حاله وتأنيبه لذاته إذ آثر أن يعيش الحياة كمتفرج لا كفاعل ويعترف أن أصعب شيء هو معرفة خبايا النفس.
ليخبرنا بعدها عن دور "التفاح في الأدب العربي" وكيف تغنى به الشعراء كما أوضح كتاب الأغاني فهو يمكن أن يستخدم لوصف الحبوب وجماله او لوصف تقلبات النفس البشرية وكان يهدى كنوع من الهدايا النفيسة فيكتب عليه بالعنبر وماء الذهب وما الى ذلك من فن بديع.
أما "في الحياة الروحية" يحدثنا الكاتب عن معنى يتخطى العقل وهو الإلهام وكيف يميز صاحبه كمثل أحمد شوقي وشكسبير وجان جاك روسو ليصبح أقوى من العقل كما قارن بين من يحكم عقله ومن يحكم قلبه أو إلهامه لنجد المقارنة تتم بين الفلاسفة والصوفية وكيف أن العقل عاجز عن تفسير كل ما حوله فوحده الإيمان يفسرها ولعل أكبر مظاهر الإلهام هي النبوة بكل ما تحمله من صعوبات للتفسير والإيضاح دون اللجوء لإستعارات تغير في جوهر الرسالة والرقي بالقلب ليصل لمرحلة الإدراك الروحي وكانت الفلسفة تعنى بالعلم والصوفية تعنى بالرؤية.
وحينما تحدث عن "مستقبل الادب العربي" نجده ينادي بالتوجه إلى الأدب الإجتماعي لا الفردي فيجب أن يتعرض الأدب للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات ويجب الا يقتصررعلى فئة المثقفين فقط كما يجب أن يطرح المشكلة وسبل حلها وان تكون لغته جميلة بسيطة تتضح للجميع وياحبذا لو توحدت اللغة بين الفصحى والعامية كما طالب ابن خلدون من قبل للتيسير على القارئ فلا يتحدث بلغتين ويشقى.
وفي "منطق العقل ومنطق الدنيا" يخبرنا أن العقل ليس المتحكم فأحيانا كثيرة يغلبه المحسوبية والفهلوة والهوى وكلما كان الانسان ارقى عقلا كانت صدمته اكبر كما ناقش التناحر بين دارسي اللغة في منابعها الثلاثة وضرورة المزج والتوفيق بينهم.
وفي القارنة بين "الشرق والغرب" يتجلى السؤال هل يجب أن يتمدن الشرق كما تمدن الغرب ام يترك على جهله واستغلال سوء حالته لنعرف المبادئ التى قام عليها تمدن الغرب ويبقى السؤال هل تؤخذ المبادئ بحذافيرها ام ننتقي ما يناسبنا لنتقدم به.
ومنها نعرف أنه ليست كل الحروب بالسيف فها هي "موقعة شعرية" تقوم بين هارون الرشيد ونيقفوز حينما كنا امة قوية لتكون الغلبة لنا وينقلب الحال بعدها بين نيقفوز والمطيع لله الخليفة العباسي يتطاول بها على العرب فيحاول كل من القفال الشاشي الخراساني ومن بعده ابن حزم أن يحفظ ماء وجه العرب ولكن هيهات فالأمه كانت تتداعى وقتها.
وفي فصل "في الادب العربي" نعرف انه كما ان الجاحظ كتب عن الحيوان وكما كُتبت كليلة ودمنه فقد كتب المعتزلة ايضا القصائد في بديع صنع الله ومما كان له الحظ الوفير "الفيل" فتغنوا بحسن خلقته واخلاقة وصنعه ومناها تطرق إلى تصنيف الأدب فليس هو بالقاصر على الشعر والنثر وإنما يجب أن يتضمن الشعر والنثر الصوفي وكتاب الإحياء للغزالي ومقدمة ابن خلدون وبعض رسائل اخوان الصفا والف ليلة وليلة كمقامات الحريري وتاريخ الطبري وتجارب الأمم والفخري ورحلات ابن جبير وابن بطوطة كما وضح ان الادب لابد أن يناقش أوضاع البلاد ويرتكز على كل من الموضوع والاسلوب ولو اعتمد على الاسلوب فقط لكان كالحاوي يزول سحره بعد فترة وبالجملة تطرق إلى "المنطق العلمي" وأوضح أنه ليس علم خاص بالدراسات والنظريات فقط فالجميع يمتهنه ولكن هناك فرق فقط في التسمية بين دراسة علم المنطق الندرية وتطبيق فن المنطق العملي .
وفي الحديث عن "سلطان العقل عند ابي العلاء" نجده مجد العقل وعظمة وجمع بين الفلسفة اليوناية والفلسفة الاسلامية فتارة غلب العقل وتارة غلب القلب فنجده قد نقد كل من المجتمع والأخلاق والأخبار فنجح ونقد الدين في صميمه ففشل فيصدق عليه القول وإن كان في غيره "إنه رجل كفر عقله وآمن قلبه" او "إنه عقل طغى على القلب فأشقى صاحبه" .
وأما عن نصيحته في "ابتسم للحياة" فكانت التفاؤل ونشر البسمة في الشعوب وضرب مثلا لنقيضين وهما "محمد عبده" و "عبد الكريم سلمان" وكيف بلغ كل منهما رسالته وإلى اي مدى انتشرت كما أوضح حاجة الشرق إلى التبسم وأسباب عدم وجوده وكيف يكون اثره على المجتمع وكيفية التغلب على اليأس والتشاؤم.
وفي "الرحمة الكاذبة" يشرح أن حق الفرد يمكن التسامح فيه بينما حق المجتمع لا فلا يمكن أن نسامح السارق مثلا بحجة الرحمة فهي رحمة كاذبة تقويه وتشجعه وتجني على من سرقهم وعلى المجتمع ككل.
ويشرح لنا العلاقة بين "الجامعة والسياسة" ودور كل من الساسة والطلبة فكل له وظيفته ولا يصح أن يستغل أحدهما الآخر بأي شكل كان. وحينما كنت أعتقد أن "الرجل الثقيل" هو ثقيل الظل كانت النتيجة مغايرة تماما فكان هو الرجل صاحب الرأى والمبدأ الحر والذي لا يقبل بالمهادنة ولا يخشى في الحق احد ويراعي ضميره في كل موضع ويخدم الجميع قدر استطاعته فليتنا جميعا ثقال حتى ننهض. وعليه كان لابد في "كناس الشارع" من توضيح أن الكرامة حق للجميع فلا فرق بين غني وفقير كما نادى بالمساواة في الحقوق من تعليم وغيرها فلا نريد طبقية ولكن مساواة وعدل.وحينما إحتدم الجدال بين الملك والوزير حول وجود "الحظ" رجحت رأي الكاتب في صدق المنطقين فلابد من أخذ الأسباب في كل أمر وترك ما تبقى للحظ او فلنسميه "القدر" أفضل.
وكيف يغفل سير من رحلوا من المصلحين مثل "عبدالله النديم"والذي اكتشف حبه للأدب في سن مبكرة فحرص على مجالس الأدباء وانشأ أول جمعية اسلامية في مصر والتي تعنى بالخطابة والتدريب عليها بالإضافة إلى إصدار مجلة "التنكيت والتبكيت" بالإضافة لكونه خطيب الثورة العرابية ومنه إلى "عبد الرحمن الكواكبي" ويكفي أن يكتب لنا كتاب ك "طباىع الإستبداد" ليخلد ذكراه ومنه إلى مصلحين الوطن العربي وتحديدا تونس حدثنا عن "خير الدين باشا التونسي" ودوره الهام في إصلاح الإقتصاد والتعليم وما ألفه من اعمال.
وبالحديث عن خفة الظل والفكاهة أحببت ذلك النوع الذي ابتدعه كل من ابراهيم بك طاهر وعبد الحميد افندي نافع إذ كان مبني على اساس وغير مُبتذل. وبالحديث عن "العالم الجديد" نجد رأي الكاتب ❞ الحق أن المشاكل لا تُحل، والعالم لا يهدأ، حتى تتغير عقلية الشعوب الكبيرة وعلى الأخص قادتها؛ فالفرد لم يرقَ إلا يوم تعلم أن الأنانية مفسدة له وأن سعادته مرتبطة بالإيثار، وعلى هذا الإيثار تأسست الأسرة السعيدة والأمة السعيدة. ❝ كما نجد ان "اغنى الناس" ليس من جمع الكنوز والأموال ولكنه ❞ مزيج من رقي عقلٍ ورقة ذوقٍ وسعة قلب، خير من فدانٍ مِن ثراء الحرب. ❝
وها هو ينصحنا أن "أصنع حياتك" ولا تقف على حدود خيالك وتوهم نفسك بالمعوقات من حولك فكل ما عليك ان تختار لك مثل اعلى وتثق بنفسك ثم تتفائل وتبتسم للحياة حتى تقهر كل الصعاب، ويحدثنا عن قوة "الرأي العام" فهو يملك من القوة ما يفوق القانون أحياناً ولو صلح الراي العام لقوّم حكام الشعوب واصلحها، وفي تعريف "الشرف" يقول هو أن تحافظ على الكلمة تخرج منك وواجبك تؤديه مهما كانت الظروف، وفي "قصة محتال" نرى أن لكل عصر محتاليه وليس للأمر علاقة بغنى او فقر او تعليم وجهل فها هو سلطان الدولة الملك العادل نور الدين زنكي يتعرض للنصب وتُنشر حكايته في اخبار المغفلين ولو أُتي ب"الطبرمك" لما سمعنا نبأه، وفي "العدالة الإجتماعية"نتعرف على واجب الدولة تجاه الافراد فنجد ان ❞ الحكومة العادلة عدلًا تامًّا هي التي يكون لها من النظم والقوانين والأعمال ما يُمكِّن كل فرد من أفراد الأمة أن يُرقي نفسه على قدر استعداده في دائرة عمله ❝، ثم يعرض للعلاقة بين المدنية والحالة النفسية في "المدنية تحطم الاعصاب" لنكتشف أنه كلما زادت المدنية زاد تعب الاعصاب ويعرض لاسبابه من جهل وخوف فلا ينجو منها فقير او غني ويحدثنا عن علامات تحطم الأعصاب وأثرها على الفرد والمجتمع ككل وختاما يخبرنا بالوصفة السحرية لعلاجه. أما في "اسس الحياة الطيبة" يحكي عن معناها وما يعوقنا عنها واسباب تواجدها من عمل ورضا وتفاؤل وهدف نبيل نسعى إليه سواء على المستوى المجتمعي او الشخصي. أما "احرقوا اللوائح" نرى موقف علي باشا مبارك من اللواىح والقوانين ونرى اثر البيروقراطية على تعطيل مصالح الناس فكنا كالطفل والوصي عليه الوزرات ذات اللواىح وهي للعجب سفيهه لا تحل ولا تربط فكانت الماساة وياحبذا لو انتهى ذلك واعملنا العقل ويسرنا الامور واحرقنا اللوائح. و "في الأدب المصري الحديث" نجد أن ادبنا أساسه مزيج من الثقافة الاجنبية والثقافة العربية القديمة ونرى أثر كل من الثقافتين على تطور الادب الحديث وماذا اضافت له وكيف أثرت بالسلب أو الإيجاب على فروع الادب من شعر وقد ضعف ونثر وقصة ورواية وغيرها ونعرف الهدف من الأدب ❞ إنما يؤدي الأدب رسالته في الأمة يوم يكون صوت حياتها ووصف ما فيها من أمل وألم، وغذاءها الروحي الذي يهبها العزاء والأمل، عقلائها وأذكيائها معروضة عرضًا جميلًا. ❝ وكيفية تحسينه في وقتنا الحالي فماذلنا في أول الطريق.وفي "ما الذي الهمني الادب؟" يحكي الكاتب عن ما الذي يصنع الاديب وكيف تؤثر عليه بيئته المادية والمعنوية وما هي مواصفات الاديب الذي اصبح عليه.
وفي الختام أحببت مقالات هذا الجزء فكانت متنوعة وغزيرة وتحمل من واقعنا ومشاكلنا الكثير فقط وجدت ان هناك بعض المقالات كانت متشابكة في أسبابها فكان يمكن أن ندمجها سويا لو امكن ولكن في كل الاحوال استفدت جدا واتشوق لمزيد من المقالات الممتعة.
#أبجد
#فيض_الخاطر_الجزء_السادس
#أحمد_أمين
#قراء_الجرد_فيض_الخاطر