اقتباسات من كتاب حوار بين طفل ساذج وقط مثقف

‫ صلى وصام لأمر كان يطلبه

‫ فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صامَ

لماذا لا تكون الحياة مجرد حواديت من الجدات فحسب؟

‫ لماذا تكون هناك امتحانات هدفها اعتصار التلميذ ومعرفة حظه من الحفظ؟

‫ لماذا يضربنا المدرسون؟ ولماذا يُقحمون على عقولنا كل هذه الكمية المخيفة من المعلومات الثقيلة؟

‫ أضاعني ما أضاع صيادًا كان يجري في الصحراء وراء ظل لطائر يسبح في السماء، متصورًا أن الظل هو الطائر، وكلما أهوى الصياد بنفسه على الأرض محاولًا إمساك الظل تطايرت الرمال ودخلت في عينيه فدمعت عيناه.

لا تحتقر أحدًا لأن الله اختار أن يخلقه حيوانًا.

‫ تعلَّم أن تتعلَّم من خلق الله.

‫ إن الصورة ليست إلا ظلًّا.

‫ ولا يعلم حقيقة الكنه والمعنى سوى الله.

وانغرس في قلبي إحساس بأن كل شيء في الدنيا صائر إلى الموت.. وبدأَت كراهيتي للدنيا من يومها، وأي غفلة أن يحب الإنسان مكانًا لا دوام فيه لشيء ولا لحب ولا لأحد؟!

جاءت جدتي على صوت صرخاتي فأزاحت أمي بخشونة ومدت يدها فاختطفتني منها.

‫ بعد لحظات كنت أختبئ في حضنها.. الدنيا كلها عدو باستثناء حضن جدتي.. هنالك عرفت مذاق الأمان الحقيقي والسلام، وهناك لا يجرؤ مخلوق أن يقترب مني أو يمس شعرة من رأسي.

‫ في صدرها كان يموت الخوف ويمتلئ القلب بالسكينة.

وهكذا توجهتُ إلى الله في سن العاشرة.. كان مركبي ذيل قط مقطوعًا.. وشراعي ملحًا تضمه دموع.. وكانت شهنفة الدموع واضطراب الصدر بديلًا عن حركة الموج.. ولستُ أذكر الآن ماذا قلت لله.

‫ إنما أذكر أن القط صرخ يحدثني قبل أن يختفي تحت المائدة:

‫ – لا تبتئس.. الألم طريق إلى الله ونافذة على رحمته.

كان وجهه يزداد عذوبةً كلما تألم.

‫ وكان مواؤه ينغرس في قلبي مثلما انغرسَت عصا موسى في الحجر.

‫ لم تكَد عصا موسى تضرب الحجر حتى انهار الصخر وتدفقت من قلبه اثنتا عشرة عينًا.. لم يتألم الحجر من ضربة العصا.. ولكنه استحى أن يضربه موسى ولا يبكي.

‫ بدأتُ أبكي أنا الآخر.

‫ لم أستطِع أن ألاحق بكاء الحجر.

‫ أعرف أن عالم الدموع غامض ومحير.

؟ لست أعرف.. سأعرف فيما بعدُ حين أكبر أن كل شيء في الوجود لا يقع إلا لحكمة عليا.. حتى أوراق الأشجار التي يجيء عليها الخريف وتنقطع صلتها بالجذع الأم وتتهاوى في رحلة النهاية..

‫ هذه الأوراق لا تنفصل عن الجذع قبل أن تسأل الله تعالى:

‫ – هل أسقط؟

‫ وتتحرك هبّة من الهواء وهي تحمل الإذْن.. وتتهاوى الورقة.

‫ لا شيء يقع في ملك الله بغير إذنه.. ولئن بدا للمخلوقات أنها حرة فهي في حقيقة الأمر حرة.. حرة نعم.. ولكن داخل إطار المعرفة الشاملة التي تعرف من أين وإلى أين ولماذا وكيف.

قلت وأنا أهرش تحت ذقنه: متأسف.. ولن أعود إليها.

‫ قال: هذا أفضل.. الاحترام بين الأصحاب أفضل.

أنا قط، ولكنني مخلوق حر تمامًا.. صغير، ولكنني لستُ عبدًا لأحد.

ماذا لو انجرحت روح الإنسان جرحًا لم يدرِ كيف ينسج حوله ضمادة؟!

وانغرس في قلبي إحساس بأن كل شيء في الدنيا صائر إلى الموت.. وبدأَت كراهيتي للدنيا من يومها، وأي غفلة أن يحب الإنسان مكانًا لا دوام فيه لشيء ولا لحب ولا لأحد؟!

الكلب روح بسيطة.. أما القطط فأرواح أشد تعقيدًا، آسف.. لقد استخدمت الكلمة الخطأ.. أنا لا أقصد الروح وإنما أتحدث عن النفس.. الكلب نفس بسيطة.. أما القطط فنفوس أشد تركيبًا وتعقيدًا.

ماذا لو رقَّ قلبك للقمر؟ تعرف تأثير القمر في البحر.. هو المسؤول عن مده وجزره.. كل آهات القمر تؤثر في تنهدات البحر.

إذا توقفتُ ظلَّ هو يقرأ فترة.. بعدها يتوقف. إذا عدتُ إلى هدهدته عاد إلى القراءة.. تصورتُ أنه يصلي، وقامت في ذهني علاقة بين كمية الرحمة التي تتلقاها المخلوقات في الأرض.. وكمية الصلاة التي ترفعها المخلوقات لله.

‫ كلما زادت الرحمة في الأرض زادت كمية القراءة والصلاة.

وحين ينسى الإنسانُ اللهَ فليست هناك جريمة يتردد فيها أو خطيئة يرتجف أمامها.. يرتجف الشيطان نفسه حين يلتقي إنسانًا لا يؤمن بالله.

عندئذٍ رأيت الله.

‫ في طوفان الدموع جاءت سفينة هائلة من خشب الصندل، انقسمت كل حبة من حبات المسبحة إلى آلاف الأشجار العظيمة، والتحمَت معًا لتصنع سفينة، كل حرف من حروف سورة الإخلاص كان عشرات الحجرات التي تمتلئ بسَكينة الأمن ودفء العطر وبرد السلام.. وفاض التنور وصعدت السفينة أعلى قمم الأمواج، وصعدت جدتي إلى حجرتها في سورة الإخلاص.

حين انداح العذر وغرق، وتحوَّل الشَّعر إلى البياض ونضج، كان القلب يستعير من الشعر نضج لونه الأسود.. وعاودت الأرض جريانها في الفضاء.

أضاعني ما أضاع صيادًا كان يجري في الصحراء وراء ظل لطائر يسبح في السماء، متصورًا أن الظل هو الطائر، وكلما أهوى الصياد بنفسه على الأرض محاولًا إمساك الظل تطايرت الرمال ودخلت في عينيه فدمعت عيناه.