رواية إفتراضية تتحدث عن وباء إفتراضي هو العمى الأبيض الذي يصيب جميع سكان البلاد بإستثناء إمراة واحدة. والسؤال هو لماذا هذا العمى أبيض وليس أسود كما هو شائع ؟
هل يمكن إعتبار هذا العمى ببياضه بمثابة ثورة بيضاء او انتفاضة على الواقع المزري ،هم برفضوا البقاء تحت نير الظلامية والمستقبل الأسود القاتم ويتوقوا الى صفحة بيضاء من حياتهم ملؤها الأمل والنقاء والأبيض بهذا المعنى هو التخلص من النقيض وإشارة الى ولادة ثانية أو بداية جديدة للناس بعد كل ما تعرضوا له من مهانة وذُل قبل إستعادة بصرهم وبصيرتهم مجددا ليبدأوا حياة خالية من أي مظهر من مظاهر القهر والإستبداد؟..فالعمى ليس فقدان البصر بقدر ما هو فقدان البصيرة والرؤية، والإستسلام لكل ما هو مفروض من تدابير وإجراءات وأساليب عيش صعبة ، المعنى الحقيقي لكلمة العمى هو إنعدام أبسط مقومات العيش الكريم من ماء، كهرباء، طعام، طبابة، فرص عمل وغيرها .
تبدأ الرواية بفقدان شخص بصره، تصيبه حالة العمى الأبيض والتي بدأت عدواها تنتقل للأخرين، وإذا إعتبرنا ان هذه الحالة هي محاولة إعتراض او أنتفاضة على ما هو قائم نستطيع أن نفهم الإجراء البديهي من قبل الحكومة التي لجأت مباشرة الى ما يشبه الإعتقال الجماعي لهولاء المنتفضين (العميان) وأيضاً من تتوقع ان ينضم إليهم او تنتقل إليه هذه العدوى بما يشبه الإعتقال على الشبهة.
رواية ليست غريبة عنَّا فهي تلامس حياتنا، تدور أحداثها في مكان أو مدينة وختى في بلد لا يحمل اسما ً، حتى شخوصها أشير إليهم بألقابهم وأوصافهم،الطبيب، زوجة الطبيب، الكهل ذو العين المعصوبة، الفتاة ذات النظارات السوداء،الطفل،العجوز ما يجعلها تحدث في كل زمان ومكان، وإذا ما حاولنا إجراء بعض الإسقاطات نسجل الآتي :
1-ألسنا عميانا عندما نقبل ان تمارس علينا شتى أنواع القهر والحرمان.
2- ألم نوضع في المحجر كما وضع العميان، ولكن محجر الطائفية والمذهبية والمناطقية وصرنا عن قصد او غير قصد ننصاع دون أن نناقش لما يمليه علينا صاحب الشأن كن خلال مكبرات الصوت والمهرجانات الخطابية.
3- أليست مطلق حكومة أو السلطة في تخبطها بإدارة الشأن العام وعدم قدرتها على إجتراح الحلول الممكنة والمناسبة للأزمات الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والبيئية، ألا ينطبق عليها ما ورد في الرواية على لسان أحد العميان " لا أعتقد أن هنالك حكومة وإن وجدت فسوف تكون حكومة من العميان تحاول أن تحكم العميان، أي بكلمة أخرى إنه عدم يحاول تنظيم العدم."
4- إنعدام الأمن وترنح النظام العام ألا يفسح المجال أمام الغوغائيين والإنتهازيين حتى لو كانوا ينتمون الى البيئة او الطبقة الإجتماعية ذاتها، يكفي ان يكونوا أنتهازيين وأصحاب مصالح ضيقة حتى يمارسوا على شركائهم في المجتمع ما مارسه العميان السفاحين مع بقية أقرانهم. لقد تمت المتاجرة بلقمة العيش التي هي حق مكتسب لكل فرد مقابل مصادرة مدخراته وإنتهاك الحرمات في أبشع انواع الإبتزاز المعنوي والجسدي. فحين تعم الفوضى ويختفي أي أثر للنظام، تصبح الغاية تبرر الوسيلة وتطفو الغريزة . وعندما ينقاد الإنسان لغرائزه يصبح أعمى، وإن لم يكن العمى بالمفهوم الحسي، بل العمى الفكري والأخلاقي، كما تقول زوجة الطبيب : "لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشرأً عمياناً، يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون".
5-أليست النفايات التي ملأت الشوارع والمنازل كما جاء في الرواية هي نفسها أزمة النفايات التى نعاني منها ولم نعرف لها حلاَ. أليست حالة الشوارع تزداد سوءاَ والقاذورات خلال ساعات العتمة تأتي وكأنها من الخارج، ألا يأتون ليلا ليفرغوا شاحناتهم المحملة بالنفايات على مختلف أنواعها؟
6- الجانب الديني، في رمزيته تمثل في أحدى الكنائس حيث وضعت على أعين القديسين عصابة، في إشارة ربما الى ان الإله الذي يرى هذا العمى في البشرية ويرى الفساد والظلم والمظلومين في الأرض، دون أن يحرك ساكنا، هل يجب ان يبقى مبصراً او ان كل هذه الفظائع والإرتكابات التي يندى لها الجبين حتى الإله ربما يخجل من أن يراها. وهذا ما أشير إليه في الرواية " ما دام العميان لا يستطيعون رؤية الصور، يجب ألا تكون الصور قادرة على رؤية العميان بالمقابل".
من جهة أخرى وبالرغم من كل هذه المعاناة يبقي الوازع الدين مسيطرا على البعض من العميان وبفطرتهم أبدوا حزنهم وإستنكارهم لمن قام بهذا الفعل الشنيع وإنتهك المقدس وتغطية أعين التماثيل.من فعل ذلك فقد إقترف أسوأ تدنيس للمقدسات إنه الإنسان الأكثر تطرفا يدخل إلي هنا ليعلن أن الله الكلي القدرة ليس جديرا بأن يرى.
7- عندما يرفض البعض مقاومة السفاحين العميان خوفا من الموت بإطلاقات نارية عشوائية من مسدس العصابة الوحيد، و يطلب من غيره فعل المقاومة لكي يحل الأزمة هو منتهى السلبية والخنوع.
امام حالة العمى التى إستفحلت، بقيت زوجة الطبيب مبصرة، لتكون الشاهد على ما توؤل إليه الأمور عندما ترى الاستبداد والاستغلال والسرقة والزنى. والقوي يأكل الضعيف. والنساء تضطر الى الإذعان لأصحاب السلطة للحصول على لقمة عيشهن وعيش أزواجهنّ. والمساكين على حافة الطريق، مصابون بأمراض شتى. كل هذا الفساد في المجتمع والناس لا تحرك ساكناَ يؤكد مقولتها "لا أعتقد أننا أصبنا بالعمى، بل نحن عميان من البداية. حتى لو كنا نرى.. لم نكن حقا نرى فالأعمى السيء ليس ذاك الذي لا يرى، وانما الذي لا يريد أن يرى.
بالرغم من المناخ المأساوي للرواية إلا انه لا بد من توصيف بعض شخصياتها،فزوجة الطبيب لم تتركه عندما أصيب بالعمى وتظاهرت بالعمى للبقاء بجانبه، وبالرغم من احتفاظها ببصرها لم تمارس الإستعلاء والإبتزاز لشركائها في المحجر بل كانت الدليل والمرشد لهم، إحتفظت بإنسانيتها وإحترمت الموتى منهم بإصرارهاعلى دفنهم بالطريقة اللائقة، إنتقمت لنفسها ولزميلاتها بقتل زعيم السفاحين المغتصبين. أضف الى هذا رفقها بالحيوان وعطفها على كلب الدموع.
أما صاحبة النظارة السوداء، فلا ندري ماهية الظروف التي جعلتها مومساً، ولكن تعلقها بأسرتها وسعيها لمعرفة مصير والديها دليل على ان في داخلها شيء من الطيبة تجلت أيضا في إحتضانها للطفل الأحول كبديل عن أمه، وعندما شعرت ان الاعمى اللص يحاول التحرش بها انتفضت لكرامتها ورفسته رفسة أودت بحياته.
بإختصار إن رواية العمى هي للمُبصرين فقط.
إقتباسات من الرواية :
" ماذا تعني الدموع عندما يفقد العالم كل المعاني"
" إن أصحاب القلوب القاسية لهم أحزانهم أيضا"
"الزمن هو الذي يحكم.. الزمن هو المقامر الآخر قبالتنا على الجانب الآخر من الطاولة وفي يده كل أوراق اللعب وعلينا نحن أن نحرر الأوراق الرابحة في هذه الحياة"
"ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى"
"كما أن العادة لا تصنع كاهناً .. فان الصولجان لا يصنع الملك وهذه حقيقة يجب ألاّ ننساها ابدأ"
"المرض الأكثر منطقاَ في العالم،أعينٌ عمياء تنقل العمى إلى الأعين المبصرة"
"ما أكلناه مسروق من أفواه الآخرين، وإن كنا سلبناهم الكثير فنحن مسوؤلون عن موتهم إننا قتلة بطريقة أو بأخرى."
هناك لحظات لا خيار للمرء فيها سوى ركوب المخاطرة.
الصوت هو بصر من لا يستطيع الرؤية
عندما يبدأ شخص ما بتنازلات صغيرة، فإن الحياة تفقد كل معناها في النهاية.
" حين يجن الجميع فإن إحتفاظك بعقلك يصير أقسى أشكال الإنتحار .