من الروايات ما تبهرك , تثير حماستك , وتعتقد أنها أفضل ما قرأت
لكن بمجرد أغلقها وبمرور يوم واحد فقط على قراءتها , تُنسى
لكن قليلة هي الروايات التي تجعلك تقف أمامها مذهولاً , مشدوهاً
تجعلك تفكر
تغيّرك
تغير نظرتك لكُل الأشياء من حولك
ترتفع بك لأعلى لترى الموجودات من ذات أسمى وأنقى وأطهر
ترى الحقيقة جليّة واضحة
ترى العفن المُستشري في كُل ما حولك
تُصدمك حقيقة أن العفن لا ينبع مما حولك فقط , بل ينبع من داخلك أيضاً
من الروايات ما تستطيع أن تعّبر عن مشاعرنا
الفرح , الحزن , البكاء , الخوف , الأمل
تشعر بها أثناء قراءتها , حتى أنك تستطيع لمسها داخلك , تظبط نفسك متلبساً وأنت تبكي مع الأبطال
تضحك معهم , وتحزن معك
لكن ..
قليلة هي الروايات التي تُرعبك
ليس الرعب الذي تشعر به عند قراءتك لروايات لستيفن كينج , أو إدجار آلان بو
أو ما تشعر به أثناء قراءتك لأي رواية ما تتحدث عن الأشباح والمذؤوبين
بل هو الرعب الذي ينتابك أثناء قراءتك لرواية فلسفية رمزية
الرعب الذي يجعلك تخشى من أن تلقى المصير ذاته مما يلاقيه أبطال الرواية
تخشى بعد كُل صفحة أن تفقد بصرك , أو أن تغرق في ذلك النهر الحليبي كما وصفه الكاتب
سارماجوا
أرعبني
طول قراءتي للرواية وعيناي مفتوحة على اتساعهما
ربما من يشاعة الأحداث , أو ربما هي حركة غريزية خوفاً من ملاقاة المصير نفسه
كيف استطاع رسم هذه المعاناة والمأساة بهذا الإبداع
كيف يطوع الحبكة والأحداث , ويجعلك تراها أمامك , وتعيش بداخلها
برهنت الرواية على الطبيعة الحيوانية للإنسان , اجعله يفقد حاسة واحدة فقط من حواسه
لتكشف غرائزه وطبيعته الحيوانية والتسلطيّة والأنانية عن نفسها
سيسير هائماً على وجهه , بلا تنظيم , همه الأول والأخير هو إشباع غرائزه
و إذا تمتع ببعض القوة
يُصبح همه الثاني هو السلطة و السيطرة
أكان غريباً أن هذه المرأة هي الوحيدة التي لم تفقد بصرها ؟؟
كيف للوباء أن يقترب من ملاك مثلها , ملاك يشعر أن مسئوليته وواجبه هو مساعدة هؤلاء الآخرين ممن لا يقوون على مساعدة أنفسهم
لا تشعر أنها تقدم لهم العون أو المساعدة بل تشعر أنه نداء الواجب
إنه السبب الذي بقيت عيناها سليمتان لأجله
كالأم التي تمسك بيد طفلها ليحبو دون أن يسقط , تمسك بيدك لترشدك , لتكن عينيك اللتين ما عاد باستطاعتهما أن يبصروا
كالأم التي تنظف طفلها دون تقزز أو تأفف , تطهرك من كُل ما يعلق بك من قاذورات المحجر
كالأم التي تزأر حين يقترب الخطر من أبنائها , تقتل إذا كان هو الخيار الوحيد لتدافع عن مجموعتها
كالأم التي تظل تشعر بالمسئولية تجاه أطفالها حتى بعد أن يكبروا , تظل هي تشعر بمسئوليتها تجاه مجموعتها , حمايتها وإطعامها
كيف لوباء كهذا أن يقترب من كتلة حنان وشجاعة وعطاء
وصفه للحياة في المدينة على لسان الرجل ذو العصابة السوداء أرعبني
وباء كهذا قد يكشف عن الجانب القذر في الانسان
قد يقلب مدينة رأساً على عقب
وقد يرُدها مرة أخرى للبدائية الأولى
وصفه لحالتهم بلا ماء ولا طعام , جعلني اتسائل , كيف عاش البشر الأوائل ؟
يبدو أنه من السهل أن تعتاد صعوبة الحياة حينما تجدها على ما هي عليه
لكن بعد أن تعتاد أنت وجسدك على التقدم والتكنولوجيا يصعب من الصعب عليك أن تتعامل مع الطبيعة بمفردها
لا تستطيع أنتظار المطر
ولا أكل زهور وأوراق الأشجار
ولا البحث عن آبار وتجاويف المياه
يُصبح بالنسبة لك ضرب من ضروب المستحيل أن تتعامل مع الطبيعة وجهاً لوجه وبدون مراحل تفصل بينكما :)
قبل شروعي في قراءة الرواية , كُنت أنوى قراءتها ومشاهدة الفيلم ومن ثم قرأت الجزء الثاني منها ( البصيرة)
حالياً أشعر أن هذه الرواية اعتصرت قلبي ..
فترة راحة بعدها أستكمل الجزء الثاني
مُرهقة لكن بعد انتهائي من قرائتها أشعر أني أصبحت أبصر أكثر من ذي قبل
ربما هي البصيرة التى يجعلك سارماجوا تدركها داخلك , ويأخد بيدك ليجعلك تتلمسها داخلك
أو ربما هو فقط تقدير لهذه الأعين , بعد ما شاهدته من ويلات فقد البصر
لا أدري تحديداً
لكن كُل ما أدركه أنها غيرت شيء داخلي
أنه الأبداع متجسدً في كلمات :))
****