"أين براءة العمر الأول، عندما كانت الحياة سهلة والأشياء بسيطة، وطمأنينة النفس تأتي دون تعب ولا تعقيد، وما جدوى التفكير في ذلك على أي حال؟، لكن لا مهرب من الوجوه التي تزحم الفضاء فجأة وتفرض وجودها على غير انتظار"دائمًا ما تنحو كتابات "بهاء طاهر" نحو تحليل النفس البشرية، وما يصطرع بداخلها من أفكار، وما تنطوي عليه من صراعات نفسية داخلية تكون هي الباعث لكل الأفعال الغير مألوفة التي يقوم بها الشخصيات، يضرب "بهاء طاهر" على أوتار الفكرة ذاتها في تلك الرواية، التي لا يستطيع القارئ المتعجل معها صبرًا نظرًا لإيقاعها البطئ نوعًا ما، وتلك مزية تتصف بها كتاباته، لأن بهاء طاهر دائمًايعمل مبضعه في كل شخصية ليسبر لنا أغوارها، فينعكس كل ما يعتمل بدواخلهم على صفحات الرواية.
الرواية مزج بين فلسفية رواية "نقطة النور" وبين عذوبة قصة "خالتي صفية والدير"، كلها تدور في فلك الروح المُعذبة التي ضرب الشك حصارًا حولها، وخلّف إنسانًا بروح مُنهكة ومُتعبة حائرةتبحث لها عن طوق نجاة وسط هدير الأحداث المتلاحقة، والنتيجة هي حياة حافلة بالمسرات القليلة والأحزان الكثيرة،لكن شخصياته دائمًا تصارع من أجل ألا تموت مهزومة، وهذا ما يلعب عليه كثيرًا هو كيفية اختيار النهاية الأنسب التي تليق بحياة نمت في كنف الحيرة والتشتت، والتي استطاع أن يمررها إليك بمهارة وخفة، وتنتهي معظم أعماله بالموت الذي يستطيع فيه الإنسان أن يرى كلّ شيء واضحًا كما لم يكن من قبل، وهذا ما فعله "محمود عبدالظاهر" عندما أراد أن يضع نهاية لحياته المعذبة ، لكنه أراد أن يموت وهو يكسر كل توابيت الماضي ويقطع كل ما له صلة به.