سر رواج الرواية في رأيي أنها تنظر لعلاقة الشمال بالجنوب من زاوية تخالف السائد في ذلك الوقت ، و التي كانت النخب تقتصرها في شعار المظلومية السياسية و الإقتصادية.
الرواية تعالج العلاقة "شمال - جنوب" من منظور مختلف . مصطفى سعيد أحد تلك النخب ، لم يكن يعرف شيئا إسمه "مدرسة" . تماما كبقية أقرانه الذين كان رجل الشمال هو من يتحايل عليهم للإلتحاق بالمدارس موفرا لهم كل وسائل الدعم المادي و المعنوي ، و إذا أظهر أحدهم نبوغا مبكرا كان يتم تبنيه كليا بصدق و إخلاص و فتح أبواب النجاح أمامه . أما هذا " النابغة" فيذهب الى الشمال ليفرغ نهمه الجنسي و شهوانيته مبررا ذلك بالانتقام من مستعمر الأمس ، يتلاعب بعواطف النساء هناك اللاتي لا يغريهن فيه سوى لون بشرته . يتلذذ بعذابهن و ربما بإنتحارهن . عاد مصطفى سعيد الى بلده لا ليوظِف شهاداته كنابغة في الإقتصاد بل ليهرب من تاريخه الأخلاقي الى قرية صغيرة قانعا ببدائية إقتصادها . حيث إضطره إخفاء تاريخه الأخلاقي الى إخفاء عبقريته الإقتصادية . و قبل أن يموت سلم عبء كل شيئ "للجيل" الثاني من النخب ممثلا في الراوي . إنه تاريخ مثقل غامض مليء بالتناقضات . جيل سكن داخل جيل بحلوه و مره حتى كأنه هو . هل يحرق هذا التاريخ كله و يبدأ من جديد ؟ أم يسلّم نفسه للغرق كما فعل سابقه ليهرب من هذا العبء ؟ و فعلا حاول الإنتحار و لكن النيل أعطاه درسا بليغا عبر إتجاه سريانه .إنه يسير للأمام لا نحو العمق . إنها رسالة الحياة .. نعم الحياة .