خائف. إني خائف من زيارتي هذه إلى بيروت. خائف من مدينة أتكلم لغة أهلها ولا أتكلمها حقاً، ولم أزرها منذ ثلاثة عشر عاماً وكنت صبياً على أبواب مراهقة تعمدت ولادتي بالحرب اللبنانية بعد عام من صرختي الأولى في هذا العالم المتوحش. لم أر بيروت على شاشة التلفزيون الفرنسي إلا مسرحاً للحرائق والمعارك والرهائن والموت وتمجيد الموت. خائف من نبوءة الذي يغطي مطار باريس ويعرقل إقلاع الطائرات؛ ربما لأن طائرة بيروت من الضباب... وقدرها من ضباب ورأسي كله من ضباب. ولعل الضباب يتدفق الآن من عيني وأذني وفتحتي أنفي وفمي وثيابي، ولعلي رجل من ضباب. حدّق فواز في وجه دانا. ابتسمت له بودّ أليف. اطمأنّ إذ أدرك أنها لا ترى الضباب الذي يسيل من روحه عبر شقوق جسده، ولا تعرف أنه يراها ضباباً كالمرئيات كلها في هذا اليوم والذكريات كلها وربما المستقبل كله. إذن لم يسقط قناعي التنكري الهادئ عن وجهي.. بالمقابل ربما كان من الأفضل لي فتح جرحي قطبة بعد أخرى والاعتراف بخوفي لنفسي.
المؤلفون > غادة السمان > اقتباسات غادة السمان
اقتباسات غادة السمان
اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات غادة السمان .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.
اقتباسات
-
مشاركة من فريق أبجد ، من كتاب
سهرة تنكرية للموتى
-
إنه الليل المفعم بالغصات والمخاوف، المترع بشهوات غامضة، ليل طائرات ما بعد منتصف الليل، حين تهبط مع الفجر المغبر في مطار مدينة جديدة، ويصير اسمك: ترانزيت. في مطار هونغ كونغ، سألني الموظف عن اسمي، فقلت له: ترانزيت. وحين فتش جيوبي وجدها محشوة بحصى الغربة الملوّنة والضباب، وحين فتح حقائبي طارت منها كلمات الحب فراشات ملونة، وهبت منها روائح الغابات وبخور الجزر الاستوائية... وحين فتش قفازاتي البيض المخرمة، وجد فيها يد حبيبي، وحين فتش عينيي وتحت جفوني رأى صورته... فتركني أمر، وحيّاني بتنهيدة!... ولكنهم لا يفعلون ذلك إلا مع أحفاد ابن بطوطة أمثال، الذين أنعم الله عليهم بمصيبة الحب: "حب الترحال...".
مشاركة من فريق أبجد ، من كتابشهوة الأجنحة
-
كلما جلست هذه الأيام لأكتب، ينطلق داخل رأسي صوت صفارة الإنذار... يعلو داخل دماغي، يمزق أفكاري كلها، ويملؤني بحس الخطر، مثلما تشعر كائنات الطبيعة البريئة في الليل بأن شباك الصيادين تنتشر في الغابة حولها، وأن الشباك قد حيكت بحذق ودهاء، وأن سكين الصياد لا ترحم... ليست صفارة الإنذار هي ذلك الصوت المدوي الذي تطلقه الأبواق في أرجاء المدينة. هنالك أيضاً صفارات إنذار أشد شراسة وأكثر استفزازاً لحس الخطر... إنها تلك الصفارات اللامسموعة، تلك التي تنطلق في الأعماق خافته ولا يسمعها أحد خارجك، لكنها قد تصم أذنيك
مشاركة من فريق أبجد ، من كتابصفارة انذار داخل رأسي
-
الثلج يغلي في الدرب الضيقة الخطرة. يغلي في الوديان السحيقة على جانبي الطريق. يغلي بين شجر الأرز والغابات الشاسعة ويغلي على قرميد القرية الموشومة في صدر الجبل. يغلي على صفحة عيني... كل شيء جميل، جميل يثير الرغبة في الامتلاك ثم الشعور بالعجز ثم بالبكاء وربما الكتابة... الطبيعة هنا جبارة حتى الخلق وحتى التدمير... رائعة تشف عن الأبدية... في مثل هذا المكان العظيم لا يمكن إلا أن يولد فنان عظيم... ويكفي أن يستحيل شاشة يرتسم فوقها هذا كله... لوحة زرقاء كتب عليها "بشري" تأملتها غير مصدقة أثني وصلت بسلام بعد ساعة من انزلاق عجلات سيارتي فوق الثلج.
-
حبك لا يتطرق إليه اليقين، مبهم كالجنون، عذب كالطفولة.. غجري، يكتم اللقاء أنفاسه وجدده الفراق.. حب معلق بين الاختفاء والعناق.. الغيرة هراء.. عما قريب–أبو بعيد–نصير تراباً، ولن يكون بوسعي محاسبتك، على الرياح التي تمزجك بغير ترابي
مشاركة من فريق أبجد ، من كتابعاشقة في محبرة
السابق | 5 | التالي |