اقتباسات جيهان سرور

لم يقترب من تلك الشرفة الخاصة به.. تلك الشرفة التي كانت شاهدة على جفائه ونفوره ممن عشقته بلا سبب.

يشعر بقشعريرة غريبة طالت كل أوصاله.. الآن شعر وكأنه طفل صغير يتلقى خبر وفاة والده.. يشعر بالضعف والحيرة، لا يعلم ما يجب عليه أن يقرّره، فلم يكن يملك قراره من قبل، فكيف به الآن!

ظل على حاله في جلسته ساعات يتأمل المارَّة يمينًا ويسارًا، وكأنه يحدثهم بنظراته المشوشة وابتسامته البلهاء.

‫ يريد أن يصيح بأعلى صوته معلنًا عن غبائه، ويتندَّر بحاله؛ فمنذ ساعات قليلة كان يشعر بالسعادة بعد أن حصل على حريته، لم يتوقع أو يأمل أن يلتقي بها يومًا ما، وعند لقائها تجدَّد الأمل والحلم، حتى سار في العروق يتغنى بنبضاته عازفًا لحنه الخاص على أوتار قلبه المتعطش لها.

لم ير من قبل كتلك الدموع المتدفقة من عينيها، كانت تتدفق كشلال من الماء ينحدر من أعلى الجبل..

‫ لم يفهم ماذا تعني، ولم يجرؤ على الاعتذار.

‫ تركها وانسحب دون أن ينبس ببنت شفة.

قائلًا: تقبلي تتجوزيني يا دعاء؟

‫ من غير لا واجب ولا فرض، جواز حب، جواز حقيقي من غير ألم وجراح.

‫ أمسكها من رسغها وأدارها إليه وهو يهمس لها

لم يرها منذ أن تركت المنزل، ولم يرها ذابلةً كما رآها اليوم.

‫ اقترب منها قائلًا: أنا عملت اللي انت طلبتيه مني وطلقتك، صح؟

‫ استدارت كي لا يرى دموعها التي تملأ مقلتيها، وهي تجيبه: شكرًا، ممكن أعرف إنت جاي ليه دلوقتي؟

تخفض رأسها لتلقي نظرة على بريق خاتمها الماسي..

‫ سحبته ببطء من إصبعها وقرَّبته إلى وجهها، ونظرَتْ إليه وهي تتساءل: هل كان يستحقُّ هذا الثمن؟

جلست حور وحيدةً على الطاولة، لا يشعر بها أحد، ترى ابنتيها وكأنها تراهما لأول مرة..

‫ تتردد الأغاني، تتمايل كلٌّ منهما، تدور الإضاءة، تُنير الوجوه، الجميع يشاركونهما الرقص والفرح.

«حبيبتيَّ.. عند شعوري بدنو أجلي، حزنت لفراقكما، لكنني أبيت أن أبتعد دون أن أترك ذكرى لي معكما في يوم زفافكما، أردت أن أظل قريبًا منكما حتى ولو باسم محفور بين أناملكما الرقيقة.. أحبكما».

فتحت جميلة وجنات العلبتين.. فوجدت جميلة خاتمًا من السوليتير، يستدير في دبلة محفور عليها كلمته المعهودة (جميلتي & حسين).

‫ ووجدت جنات دبلتها محفورًا عليها (جنّتي & حسين).

‫ تدفقت الدموع من عيونهما بعد أن قرآ ما دونه حسين لهما قبل وفاته:

تسمَّرت كل من جميلة وجنات من كلمات حور، وأخذتا تتبادلان النظرات فيما بينهما.

‫ لكنها أردفت قائلة: أنا مش مجنونة؛ باباكم حسين الله يرحمه معانا ولسه موجود،

طعها محمد وتحدث بحزن دفين في قلبه: صاحب الحق راح يا حور، إحنا كل اللي علينا إننا نرعاكم وبس، أنا ومدحت حقنا الوحيد في بنات أخونا،

«حبيبتي حور! لا أعلم.. هل هذه الرسالة هي كلماتي الأخيرة التي سأخطها في عمري، أم أن هناك في العمر بقية؟ أكتب إليكِ هذا الخطاب الآن بعد أن تملَّكني الألم ولا أقوى على مواجهته.

‫وكنتَ لي عدة من أحسن العدد

‫ أخي..

‫قد كنتَ لي عونًا أشد به أزري

‫وكنتَ لنصري خير معتمد

‫فاليوم أصبحتَ بعد الأنس منفردًا

ولكن القلب قابع بين حنايا الصدر، يدميه فراق أخٍ، أقل ما يقال في حقه ويوصف به، هو رثاء مصطفى لطفي المنفلوطي لأخيه:

انفردت حور بنفسها داخل غرفتها، وجلست فوق فراشهما الذي كانا يجلسان وينامان عليه معًا، بل جلست في مكان نومه، وكأنها تحتمي بدفء مكانه، ومع كلماته المخطوطة في ذلك الظرف..

لما الطفل اللي جوانا يفضل ملازمنا لما نكبر، يبقي حاجة واحدة بس: إننا وقفنا عند حاجة في طفولتنا ومش قادرين نتخطاها

وهو الشباب بيرجع شباب بعد ما الشعر شاب!