اقتباسات عبدالسلام العشري

وكان يَغْتَنِمُ كلَّ فُرْصَةٍ ليَعِيشَ معَ رُوحها، فكان يُعْطِى مَوالِيَهَا(411)، ويَصِلُ صدِيقاتِها، ويَـبَـرُّ حَبيباتِها، وكان إِذا ذَبَحَ الشَّاةَ يقولُ بِاهتِمامٍ:

‫ - أَرْسِلوا إِلى صَديقاتِ خديجةَ، فإنِّي أُحِبُّ حَبِيباتِها.

‫ وَفَى لَها رَسولُ اللهِ كما وفتْ للهِ ورسولِه، وعاش يذكُرها ولا يَنْساها، حتى لَحِقَ بالرَّفِيقِ الأَعْلَى.

‫ بادَلها وَفاءً بِوَفاءٍ، وجعَلَها لِلْمؤْمِنين والمُؤْمِناتِ مَثَلًا لِلْبِرِّ، والحَنانِ، والإخْلاصِ، وحُبِّ اللهِ وحُبِّ رسولِ اللهِ.

لَا واللهِ..! ما أَبْدَلَني اللهُ خيرًا مِنها!

‫ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ الناسُ، وصدَّقَتْنِي إِذْ كذَّبني الناسُ، وواسَتْنِي بمالِها إذْ حَرَمَنِي الناسُ، ورَزَقَنِي اللهُ منها الوَلَدَ دُونَ غيرِها من النِّساءِ..!

سَينْصُرُكَ اللهُ يا رسولَ اللهِ! لَنْ يُطْفِئوا نورَ اللهِ أَبدًا، ولن يَتْرَكَ اللهُ نورَه لأَفواهِهم، بلْ سَيُتِمُّه ولو كرِهَ الكافِرون.

❞ فمثلُ محمدٍ في الرِّجال نادِرٌ، ومثلُ خديجةَ فِي النِّساءِ قليلٌ. ❝

❞ آوَت في الهَجِير، وأطعمَتْ في المَسْغَبَةِ، ونَصرت في الرَّوع، وأَغاثت في اللَّهفَة، وفرَّجت في الكَرب، وحملَت من أجل ديِن الله أَضْخم الأعباء وأثقلَ الأوزار ❝

والله ما يُخْزِيكَ رَبُّك أبَدًا! وكيْفَ يُخْزِيكَ ربُّك وأَنْتَ واصِلٌ للرَّحِمِ؛ مساعِدٌ للضَّعيفِ؛ تُقْرِي(208) الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نوائِبِ(209) الدَّهْرِ؛ وتَقِفُ بِجانبِ الحَقِّ؟!

وأَنَّه هُوَ الشَّمْسُ الَّتِي دَخلَت بَيتَها وأضاءَته، ثم امْتدَّت إلى ما حَوْلَه، ثم إلى جَميعِ الآفاقِ.

أرادَ اللهُ بِكِ الخيرَ يا خَدِيجَةُ، لم يُرِدْكِ أن تكوني أُمًّا لِبَعْضٍ من خَلْقِـه فَحَسْـبُ، ولم يَشأْ أنْ تكوني أُمَّ القاسِمِ أو عبدِ اللهِ، بل اختارَ لكِ أن تكونِي أُمًّا للمؤْمِنين جميعًا.

‫ ألا يَسُرُّكِ هذا اللَّقَبُ يا خديجةُ؟!

- وما الفَرْقُ بَيْنَ المُسْلِمَةِ والكافِرَةِ؟!

‫ وإذا كنَّا سنجْزِيَ المسيء بِالسَّيِّئِ، ولا نَعْفو عَنِ الزَّلَّاتِ، ولا نُقابِلُ الإهانَة بِالمَغْفِرَةِ، كما عَلَّمَنا رَبُّنا، وهَدانا رسولُنا، فهلْ نكونُ أدَّيْنا واجِبَ دِينِنا وسِرْنا على سُنَّةِ نَبِيِّنا؟!

❞ كانَتْ دارُ خُوَيلدِ بْنِ أَسَدٍ فِي مَكَّةَ، عالِيَةَ البِناءِ، فَسِيحَةَ الجَنَباتِ، مَعْروفَةً لِقُصَّادِهَا بَيْنَ دُورِ القُرَشِييِّنَ الكُبَراءِ، ذَوِي السُّلْطانِ والنِّعْمَةِ والثَّرَاءِ.

⁠‫تُعْلِنُ بِقُرْبِهَا مِنْ الكَعْبَةِ عَنْ مَنْزِلَتها العَظِيمَة، وما لَها مِنَ المَكَانَةِ الكَبِيرَة بَيْنَ تِلْكَ الدُّورِ، تزينُها خديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، ❝

ما أكثرَ مَا سمِعَتْه وهو يتحدثُ عن الزَّوْجِ الصَّالِحِ، ويقولُ: إِنه الجامِعُ لِخِلَالِ المرُوءَةِ، والشَّهَامَةِ، والكَرَمِ، لايَسْتَهْوِيه مَا يستَهوِي شبابَ مَكةَ وبعضَ شيوخِهَا ممَّا لا يُرضى، الذكيُّ العاقِلُ، مَنْ يَزِنُ الأمورَ وَيُقَدِّرَ التَّبَعَات(18) ويَحْمِلُ الأَعْبَاء(19)، لا يَدْفَعهُ الطَّيْشُ إلى ما يَحُطُّ مِن أقدارِ الرِّجَالِ، ويُحَطِّمُ مراكِزَهم العاليةَ، وكثيرًا ما أكَّدَ لَهَا أَن عَلَاقَةَ الرَّجُلِ بالنَّاسِ صُورَةٌ مِن علاقَتِه بِأَهلِ بَيْتِه، فالكريمُ الطَّيِّبُ الشَّهُم هو دَائِمًا في كلِّ حَالٍ على سَواءٍ

سيَنْصُرُكَ اللهُ يا رسولَ اللهِ! لنْ يُطْفِئوا نورَ الله، ولن يَتْرُكَ اللهُ نورَه لأَفْواهِهم، بَلْ سَيُتِمُّه ولو كَرِه الكافِرون.

❞ سيَنْصُرُكَ اللهُ يا رسولَ اللهِ! لنْ يُطْفِئوا نورَ الله، ولن يَتْرُكَ اللهُ نورَه لأَفْواهِهم، بَلْ سَيُتِمُّه ولو كَرِه الكافِرون. ❝

وكان كلُّ نَصْرٍ يُذكِّرُه بخديجةَ التي كانت تفرَحُ له، وكلُّ هَزِيمةٍ تُذَكِّرُهُ بخديجةَ التي كنت تَتألَّمُ لها وتواسِيه فيها.

أَلَيْسَ فِي النِّساءِِ مَن يُعَوِّضُها يا رسولَ اللهِ، أَوْ يُعَوِّضُ بعضًا من حَنانِها وعطفِها؟!

وفِي الصَّباحِ كان النَّعْشُ الطَّاهِرُ يَسيرُ بالجسدِ الطَّاهِرِ من الدارِ، مَحْمولًا على أعْناقِ المسلِمين الَّذين يتَزاحَمون علَى حَمْلِهِ، إلى مقابِرِ قريشٍ في الشَّمالِ الشَّرْقِيِّ من مَكةَ، حتى بلَغوا الحَجُون، ووصَلوا إلى المقبرة التي رَقَدَ فيها القُرَشيُّون مُنذُ بَعيدٍ.

وهِيَ تَنْظُرُ إليه فِي حَنانٍ، وتَشْكُرُ له عِنايَتَه بِها، وعَطْفَه علَيها، وتَدْعُوهُ أَنْ يأْخُذَ قِسْطًا من الرَّاحةِ، بعدَ عَناءِ اليومِ الطويلِ، فَيَزْدادُ تَأثُّرًا، ويقولُ في إشْفاقٍ:

‫ - بَلْ سأَظَلُّ بجانِبكِ يا خديجةُ، ولَنْ أَذوقَ طعمَ الراحةِ، حتى يَتِمَّ لك البُرْءُ!

سَينْصُرُكَ اللهُ يا رسولَ اللهِ! لَنْ يُطْفِئوا نورَ اللهِ أَبدًا، ولن يَتْرَكَ اللهُ نورَه لأَفواهِهم، بلْ سَيُتِمُّه ولو كرِهَ الكافِرون.

هَوِّنْ علَيْك يا رسولَ اللهِ، فلَن يَصِلوا إلى ما يَشْتَهون أبَدًا.اللهُ مَعنا يا رسولَ الله، ولَنْ يَتْرُكَ الباطِلَ يَطْغَى على الحقِّ! سَيُتِمُّ اللهُ نورَه ولَوْ كَرِه المُشْرِكون!

لم يَعُدِ العِلاجُ سِبابًا ولا شَتائِمَ، ولا حِصارًا وحَبْسًا، ولَيْسَ هُناكَ غيرُ السَّهْمِ الأخِيرِ!