اقتباسات محمد نعيم

الجربعة هي أن يتماهى الفرد مع تاريخٍ بعيد، فيرى نفسه في موقع الأقلِّيَّة، حيث السيد المنتصر، وهو موقع غير واقعي بالمرَّة، والجربعة المزدوجة تزداد كثافةً مع إدراك صاحب الحنين لموقعه الاجتماعي التَّعِس لو كان ابنًا لهذا الزمن، ثم يستمر في

فمعنى الاستقرار أصبح هو تجنُّب انفجار المشكلات، وليس مواجهتها بحكمةٍ وتؤدة. استقرار مبارك كان حالة ممتدَّة من الإنكار.

لم يكن انقلاب الضباط الأحرار هو ثورة الفلاحين على الباشاوات، بل كان انقلاب البكوات على الباشوات

ابتسار الجمهورية المصرية وإرجاء إتمام مقوِّماتها كان -ولا يزال- هو المصدر الأعمق لكل أزمات الشرعية، وسببًا في سيادة الطغيان الذي يطاردنا جيلًا وراء جيل

فمصر بدون حضور ونفوذ ونشاط مثقَّفيها ومُتعلِّميها ليست إلا واديًا يعجُّ بالفقر والشُّحِّ المائي والتكدُّس السكاني والعصبية الطائفية، وشعبًا غالبيَّتُه من بسطاء القوم، الذين لا صوت لهم ولا ناظِمَ لحركاتهم وطموحاتهم

فصيغة المجتمع كفوضى متحرِّكة مقابل الدولة كضابط يطارده هي صيغة لا تُفضي إلَّا إلى إعياء المجتمع وتحطيمه، واستنزاف الدولة وإضعافها في نفس الوقت

وصيغة نصف الشعب ونصف الجمهورية لا يمكن لها أن تستمرَّ إلى ما لا نهاية؛ فإمَّا أن تكتمل الجمهورية أو نرتدَّ عنها لصالح أنماط من الحُكم السُّلطاني الإسلامي الذي يعني انتهاء مشروع الحداثة.

الشعب غير موجود لأنه غير مُنظَّم

تعامَل الإخوان مع مصر المأزومة كغنيمة سياسية؛ فكانوا أشبهَ بالثُّعبان الذي صمَّم على ابتلاع فيل، ليمزِّق أحشاءه.

وكعادة الأنظمة الاستبدادية؛ فإن فُرص واحتمالات سقوطها تزداد في اللحظات التي تبدو وكأنها تُصلِح من نفسها، حيث تنفتح شهية التغيير لتبتلع بشراهَةٍ ما يطرحه النظام من فُتاتٍ إصلاحيٍّ، ثم ما تلبث إلا قليلًا حتى تلتهمه هو بالكامل

فإذا كانت الحياة في مصر منذ بداية السبعينات قد تشكَّلَت بمثلَّثٍ، أضلاعه هي: الانفتاح الاقتصادي وهجرة العمالة المصرية إلى الخليج وغزو أنماط الحياة المتأمركة، فالصحوة الإسلامية كانت بمثابة المساحة الداخلية لهذا المُثلَّث والمجال الرابط بين أضلاعه

أمَّا في الدول معطَّلَة النُّموِّ كمصر، فتصوُّرات الحلم الأمريكي فيها لا تعني إلَّا ضغوطًا مجَّانِيَّة في الحياة وأعباء مضاعفة وإحساس مستمر بالضغط والتقصير وعدم التحقُّق.

لقد ظَفَرت بنصيب كبير من هذا البلد حفنة من المغامرين ومُستغلِّي الفرص والأذكياء واللصوص وخُدَّام السلاطين وسعيدي الحظ،

انتصار الهزيمة، والتآخي مع الخطيئة

وراح طين الجدل الضال ينفخ في أحشاء ضفادعنا حتى انفجرت تمامًا، وصحونا على صوت الدبابات تطالب الجميع بالصمت التام، وطول مدافعها يضع أيًّا مَن كان في حدود ذاته التَّعِسَة. فأهلًا وسهلًا بكم في مصر المعاصرة، حيث لا جدل على الإطلاق.

ض رُوَّاد الحنين في مصر يروِّج لخطابات عن الحَسَب والنَّسَب والأصالة في بلد لم تتأسَّس فيه معايير المِلكيَّة بالوراثة أو بالأقدميَّة، بل بالمغامرة والصراع عليها واستغلال الفرص وإدراك اللحظات الفارقة. لقد ظَفَرت بنصيب كبير من هذا البلد حفنة من المغامرين واللصوص والأذكياظ وخدام السلاطين وسعيدي الحظ

فكل طبقة وسطى في حينها هي بمعنى من المعاني طبقة وسطى جديدة ومُحدِثة نعمة، لا يرجع تاريخها لأكثر من عقدين أو ثلاثة في أحسن الأحوال؛ لذا فسماتها المعيشية والثقافية ليست بالرسوخ الذي يُمكِّنها من امتلاك صيغة للهيمنة الاجتماعية والثقافية على اي وافد جديد لها

النظام يُكيِّف أوضاعه مع النواتج الاستراتيچية للهزيمة، وبدلًا من أن يدين نفسه لعجزه عن تحقيق شعاراته الوطنية والتقدمية والثورية، راح يتنكَّر لهذه الشعارات من الأصل، بل ويعتبرها سبب الهزيمة، في تشابُهٍ لافِتٍ مع ما تلى المأساة العرابية المؤسسة للوعي الوطني،

العلاقة المتناقضة بين حب التعليم كوسيلة للترقِّي الاجتماعي وكراهية العلم والمعرفة كمُنغِّص ذهني وقِيَميٍّ على التقاليد والأفكار المحافظة

يُطمَس تاريخ هذه الرحلة العظيمة في غمرة الادِّعاءات الطَّبقيَّة الجَربوعة الكذوبة لأبناء اللحظة الراهنة، الذين يريدون إعادة كتابة تاريخهم الشخصي كما لو كانوا وُلِدوا وفي خياشيمهم ملاعق مُذهَّبة لينكروا عصامية وكفاحية أجدادهم، بل والإحساس بالعار منها، فجأة صارت لهؤلاء من ذوي البشرة القمحاوية الداكنة أصولٌ تركية، وفجأة صار كل الأجداد باشاوات سابقين أو من ذوي الملكيات الكبرى التي تأمَّمَت لاحقًا، لقد صار الحاضر حاضرًا جربوعًا لدرجةٍ نالت من كل معنى عصامي تأسَّس عليه تاريخنا