اقتباسات هيثم موسى

اتسعت مقلتاه رعبًا من رؤيته للموت يقف أمامه مبتسمًا دون أن يُقاربه، لتمر ثوانٍ ويُقدم الموت على مُقابلة روحه في النهاية، بعد أن أذاقه من العذاب أمرّه

وقد كانت النظرية الطبية حينها تفترض أن هذا المرض هو شكل من أشكال الهواء الفاسد، والذي ينبثق من تعفُنات المواد العضوية المُتحللة أو من البيئات غير النظيفة، لتُسمى تلك النظرية الطبية بالـ (ميازما) ‏(1)‏ ، وهي ما تعني باللغة اليونانية القديمة (التلوث)، لتغفل البشرية عن السبب الحقيقي وراء هذا الوباء وحامله، وهو مخلوق دقيق عديم الأجنحة، بث الرعب في القارة كلها، مُختبئًا في أجساد صغيرة لحياة أخرى، لم يكن أحد يعلم عنها شيئاً. ‏

أن من وسط الحياة الرتيبة التي نعيشها، دائمًا ما يغافلنا الموت دون دراية منا، فلا ندرك أن هذه الرتابة.. هي أثمن لحظات حياتنا.‏

آثار جروح النفس تسيطر على العقل وتؤرقه، فلا تهنأ النفس إلا بالحصول على انتقامها. مهما كلف الأمر، فلن يضمد الانتقام جراح الماضي، ولن يملأ الفراغ والوحشة التي ملأت النفس، فهو يستهلكها ليحرقها من الداخل، لكنه على الأقل. سيشفي غليل ثأر

"طوبى لمن اختاره الرب ليسكن بجواره إلى الأبد.. فارأف بتلك النفس الأسيرة في المطهر"‏

"إن الخراف التي تهنأ بالسلام في مزرعتها دون غيرها، هي من تهاب الكلاب التي ترعاها، أكثر من الذئاب التي تنتظرها بالخارج"!!‏

"مرحبًا بك أيها الموت الآتي لتريح عقلي من شدة الجنون، وتعتق نفسي من قسوة الخُذلان، ها أنا جالس بين الجدران الأربعة، فاردًا ذراعيّ في شوق لاستقبالك، فلا تتمهل في المجيء، فقد كنت أنت دومًا من أخشى قدومه، وبِتُ الآن لا أستطيع الانتظار شوقًا لرؤيتك".‏

لقد أفنى الموت الجميع.‏

تذكر جيدًا أن من وسط الحياة الرتيبة التي نعيشها، دائمًا ما يغافلنا الموت دون دراية منا، فلا ندرك أن هذه الرتابة.. هي أثمن لحظات حياتنا.‏

ثم صَمَت هو والطِّفْل وهما ينظران في ترقبٍ نحو الرَّجُل المُتجهم من أمامِهما لثوانٍ، ليُكْمِل "غرير" الحديث في سخرية: ‏

‫ ‏- "لربما لن يَسْعُل الآن.. ولكن يُمكنك إحصاء سُعال الرِّجال في طريق العودة وإبلاغ والدَك بها حينما تراه في القريب". ‏

"هل تعلم السبب وراء تَجَهُّم أولئك الرِّجَال؟ لقد نالت رِمال الصَّحراء من وجوهِهم وأنوفِهم وآذانِهم أثناء رحْلَتِهم، وقريبًا ستَجِد هذا الرَّجُل يَسْعُل فتخرج الرِّمال من فَمِه". ‏

‏أشْهُر مَضَت.. تَوَقَف النَّاس عن إحْصائها، ينتظرون ذلك اليوم علىٰ أملِ أن يَلوح به الفَرَج في الأفُق ويُنَجِيهم الله مما وقعوا فيه من بلاء، ولكن ما جعل الأمر يزداد سوءًا أكثر مما مضىٰ، أن شاعت في البِلاد الرؤية الأخيرة لامرأة تُدعىٰ "نيراز بنت غيث المقدوني"، كانت واحدة من إحدىٰ أشَهَر مُنَجِّمات ذلك العَصْر. ‏

"اللَّهُم اُلْطُفْ بأُمَّةِ سَيِّدِنا مُحَمِّد صَلَّىٰ الله عَلَيِه وسَلَّم".. ‏

‫ ‏"اللَّهُم ارْفَع الكَرْبَ والشَّدائد عن أُمَّةِ سَيِّدِنا مُحَمَّد صَلَّىٰ الله عَلَيِه وسَلَّم".. ‏

‫ ‏"اللَّهُم ادْفَع عن أُمَّةِ حَبِيِبِك كل سُوء، وارْفَع عَنْهُم كل بَلاء".. ‏

‫ ‏"اللَّهُم إنَّا نَدْعُوكَ أن تُزِيلَ الهَمَّ وتَكْشِف الغُمَّة اللذَّيْن أصَابَا هذِه الأُمَّة". ‏

‫ ‏"اللَّهُم لُطْفَك بِنَا يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين". ‏

لَحْمُ البَشَر.. لربما سوف تَبْغُض تلك الفكرة في البداية، بل وتَشعر بالغَثَيان بمجرد أن تَطرق عقلك، ثم تَسوقك غريزة البَقاء والتَّشبث بالحياةِ إلىٰ اللُّجوء إليه وإلا فالهلاك الحتمي هو المَصير المُنتظر، حينها ستَتَذوقه..

فيا ليت الاستعطاف يُجدي نفعًا في هذا الزمان. ‏

"الجَوْع.. إنه يقتات علينا دون أن نقتات نحن علىٰ شيء، حتىٰ الفُتات لم أستطع التَّحَصُّل عليها منذ وقتٍ طويل.. أيامٌ وَلَّت وألم الجُوع يعتصر أُسْرتي، يُطبق علىٰ أرواحنا التي أوشكَت علىٰ مفارقة أجسادنا، بِتُّ أنظر إلىٰ عِظامِ زوجتي البارِزة من صَدْرِها وهي تبكي علىٰ جنينٍ هَزيلٍ يُصارع المَوْت في أحشائها، لقد تغيرت ملامح ولَدي الصَّغير من الجُوع والهَزلان، يُفْرِغ مُتألِّمًا جَوْفَه الخاوي، فلا تُلاقي الأرض منه شيء". ‏

كان مرض الجُدري والذي تًنقل عدواه بالهواء، يذيق الآلاف المَوْت علىٰ يديه في وقتٍ ليس بالطويل لتظهر علىٰ المريض بقع حمراء علىٰ الوجه أو اليدين أو الساعدين، ثمَّ علىٰ جذع الجسم. وخلال ايام، يمكن أن تتحول تلك الآفات إلىٰ بثور صغيرة تمتلئ بسائل شفاف ثم تتحول إلىٰ صديد وتتحول سريعًا إلىٰ قُرَح لتتمزق وتنفتح، فلا يمر أسبوعان أو ثلاثة من انتقال المرض إلا ويصل المُصاب لمراحله الأخرة ويُلاقي المَوْت في نهاية الأمر.

‫المرجع: كتاب "الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية" للكاتب محمد بركات.

لم تُعرف في الأحاديث المروية عن "غرير بن مالك" عن كيفية حوزته لجِلَلِ النفط، ولكن يروي البعض أنه قد بادل أحد (النفاطين) بها ثمنًا لتهريب غلامه الوحيد عوضًا عن صك داره

تأتي الكلمة علىٰ وزن فعيل من كلمة غِرّ وهي تعني: الشاب اليافع.

‫المرجع: "المُعجم اللغوّي".

كان سبب ظهور الأوبئة في تلك الآونة، أكل الجيف والميتات وتقيحات المَوْتىٰ وتلوث المياه بدماء الجثث الموبوءة التي تلُقىٰ بداخلها، بينما رجح البعض الآخر خروج القوارض من تشققات الأراضي بعد جفائها وتعرض البشر للعدوىٰ بسببها. المرجع: كتاب "مجاعات مصر الفاطمية أسباب ونتائج" من تأليف/ أحمد ا