المؤلفون > عبد الفتاح كيليطو > اقتباسات عبد الفتاح كيليطو

اقتباسات عبد الفتاح كيليطو

اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات عبد الفتاح كيليطو .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.


اقتباسات

  • إنّ الدّيْن الذي يُنظر إليه عادة على أنّه أمر سلبي، يغدو إيجابيّا في الميدان الثقافي، فهو علامة على حياة جديدة vita nova تحياها الأعمال القديمة وتوهب لها وتُؤمن. كلما كثرت دُيُونِي، ازددت غنى. والأدب الذي لا يستدين، أو الذي لم يعد يفعل ذلك، أدب محكوم عليه بالموت.

  • ​وعلى العموم، فإن موقفنا من الأدب الاستعماري يطبعه الالتباس. إذ يمكن أن يبدو ​​لنا مُنفّرا، وشنيعا، إلا أنه يبهرنا في الوقت نفسه، لأننا مهتمون على الدوام -وفي هذا ضعفنا- بما يعتقده الآخرون عنا، فرديا أو جماعيا. غالبا يكون ما يؤكدونه مخالفا للصورة التي نكوّنها عن أنفسنا. هكذا يروْنني، هكذا يروْننا... يا للهول ويا للفظاعة، إن الأمر على الأقل مبالغ فيه!

  • بمفهوم الروح المغربية، تُقام رؤية أسطورية للمغرب والمغاربة بعيدة عن الحقيقة. ولكن أية حقيقة؟ ومن يمتلكها؟ من في استطاعته أن يحتكرها؟ أسئلة شائكة... لنخلص إلى القول أن الخطاب الاستعماري يترجم حقيقة كُتّابه، وهي حقيقة ذاتية، ويقين نظرتهم الخاصة. لا يمكننا أن ننعتهم بعدم النزاهة العلمية، بل قد نفترض أنهم بالأولى صادقون، وأن أحكامهم المسبقة، التي تفقأ الأعين بالرغم من ذلك، تعود إلى لا شعورهم أكثر مما ترجع إلى رغبة مقصودة في تشويه الواقع. عندما يتحدثون عن المغرب، فهم يتحدثون في الحقيقة عن أنفسهم. على هذا النحو يكتب الحجمري: "في الصورة التي يرسمها بيير لوتي، لن نلفي المغرب، وإنما هلوسات لوتي". إن مؤَلَّف لوتي يطلعنا على لوتي، أكثر بكثير مما يطلعنا على المغرب. يواصل الحجمري: "لا شيء في هذا البلد يُرى على حقيقته الموضوعية، كل شيء يُنظر إليه عبر المنظار المشوِّه لوساوس الكاتب وهلوساته الغامضة اللاشعورية".

  • في رسالة الغفران للمعري، وهو المؤَلَّف الذي يصف فيه الآخرة، يُخصّصُ مقطع مثير لِلُغة الإنسان الأول، نعلم من خلاله أن آدم كان يتكلم اللغة العربية في الجنة، كما نقرأ أنه عندما هبط من الفردوس، نسي العربية فأخد يتكلم السريانية. وهكذا اقترن عنده تغيير المكان بفقدان لغة واكتساب أخرى؛ ندرك أن نسيان اللغة الأصلية يعتبر عقابا. وبطبيعة الحال، بعد البعث والعودة إلى الجنة، سينسى آدم السريانية ويستعيد اللغة العربية... لا تغيير للمكان من دون عقاب: فقد ينسى المرء لغته، أو بعبارة أخرى، قد يصبح آخر. كثير من المغاربيين، وكثير من العرب يمكنهم اليوم أن يتعرفوا على أنفسهم في قصة آدم. فهم، بكيفية أو بأخرى، تعلموا لغة أجنبية "فنسوا" لغتهم.

  • لماذا تكتب باللغة الفرنسية؟ سؤال يطرح عادة على الكاتب الذي ينشر كتبه بهاته اللغة، وهو سؤال من شأنه أن يثير قلقه وشعوره بالذنب. وعند رده، يظهر لباقة ورهافة، يَذكر فعل التاريخ، كما يذكر التكوين الذي تلقاه، وقد يقول أيضا إنه يحس أنه يتمتع بنوع من الحرية في الفرنسية، وأنه يلمس بدرجة أقل تابو الجنس والسياسة. كما سيقول بأنه عاجز عن الكتابة بلغة أخرى، وقد يتحدث أحيانا بطريقة غامضة عن اللذة التي تُوفّرها له الفرنسية. لن يَعترف دوما أنّ الكتابة بالفرنسية تحقق لكاتبها بعض الحظوة وتمنحه اعتبارا، وتُمكنّه من جمهور مضاعف (ها نحن مرة أخرى أمام اللسان المفلوق!)، وانتشار واسع. يمكن تصور افتراض آخر: الكتابة تجاوز للذات، حتى إن اقتضى الأمر أخذ مسافة مع اللغة الأم. فباستطاعة الكاتب أن يختار، لو توفرت له الإمكانات، اللغة البعيدة، الغريبة الأجنبية، كي يقترب من ذاته...

  • عندما تغدو ثقافة أجنبية ثقافة مهيمنة، غالبا ما يُنظر إليها على أنها نوع من التهديد، فيتم السعي لتفادي ضررها، وفي أقصى الأحوال تتم مقاومتها مقاومة منتظمة. تُمِدنا الأخبار الراهنة بأمثلة عديدة على موقف الانكماش هذا (يكفي استحضار موقف النابذين للغرب). الأمثلة على ذلك متوفرة أيضا فيما مضى من أزمنة. وربما لا يخلو من فائدة أن نُذكّر في هذا الصدد بما كتبه الشاعر بيترارك، الذي كان يُضْمر الكراهية للعرب، متوجها إلى أحد أصدقائه الذي كان، على العكس، يكنّ لهم الإعجاب:

    "أناشدك، في كل ما يتعلق بي، ألا تقيم وزنا للعرب الذين ما تفتأ تعبر عن إعجابك بهم، وأن تتصرف تماما كما لو لم يكن لهم وجود. إنني أكن الكراهية لهذه السلالة بكاملها. أعلم أن اليونان قد أنتجت رجال علم وفصاحة، من فلاسفة وشعراء وخطباء وعلماء رياضيات، كلهم نبغوا هناك، وهناك أيضاء نشأ آباء الطب. أما الأطباء العرب!... فأنت أكثر الناس معرفة بهم. أما أنا فأعرف شعراءهم. لا يمكننا أن نتصور شعرا أكثر هشاشة وتوتّرا وفحشا... بالكاد يمكن لأحد أن يقنعني أن شيئا طيبا يمكن أن يصدر عن هؤلاء. ومع ذلك فأنتم، رجالَ العلم، لست أدري لماذا ينتابكم هذا الضعف حتى تغدقوا عليهم مدحا لا يستحقونه. [...] يا للعجب! [...] أبَعدَ العرب لن يُسمح قط بالكتابة!...". *

    ـــــــــــ

    * أورده إرنست رينان، ابن رشد والرشدية (بالفرنسية)، ص. 234. في أحد الهوامش يتساءل رينان: "كيف أمكن لبيترارك أن يعرف الشعر العربي الذي لم يكن للقرون الوسطى الأوروبية معرفة به قط؟"

  • في مناسبات أخرى، يمكن للصراع أن ينحو نحوا أكثر جذرية، فتأبى الثقافة أن تكشف عن ذخائرها: أرفض أن تُقرأ كتبي، وأن تُترجم، لن تطّلع على أدبي، لن تَتَمكن من كشف كنوزي، وفي مقدمتها النصوص التي أعتبرها مقدسة، فأمنع نقلها إلى لغة أخرى، خارج نطاقي... لماذا هذا الموقف إزاء الترجمة؟ خوفا من أن تُلحِق النسخة الأجنبية الضعفَ بالنص، أو أن تُظهره، على العكس من ذلك، أحسن مما هو عليه، وأن يخرج منها قويّ الشوكة، الأمر الذي قد يترتب عنه أن تفقد اللغة الأصلية طابعها الأساس الذي لا يُعوّض.

    هذا النفور من الترجمة لا يلاحظ فحسب عندما يتعلق الأمر بالنصوص الدينية، وإنما حتى بالنصوص الحكمية أو الأدبية في بعض الأحيان. نتذكر أن كتاب كليلة ودمنة كاد ألا يترجم، بما أن رغبة مؤلفه، الفيلسوف الهندي بيدبا، كانت هي الوقوف ضد نقله خارج الهند. ولولا الإصرار الذي أبان عنه الفرس للتعرف عليه وتملكه، لما صار واحدا من أكثر الكتب ترجمة في العالم...

    في معظم الأحيان، يكون الوقوف ضد ذيوع الثقافة الخاصة في الوقت نفسه وقوفا ضد ذيوع الثقافة الأجنبية. لن تقرأني، ولن أقرأك. لن تترجمني، ولن أترجمك.

  • الازدواجية اللغوية هي أكثر التجليات حدة لتأمل البديل، وفي هذا الصدد ليس من قبيل الصدفة أن تظهر الحية في رواية المؤدب. يرى الجاحظ أن الحية تعيش عمرا طويلا، وهي تسكن جحر حيوانات أخرى، وتُبدّل جلدها، وفضلا عن ذلك فهي ذات لسانين. هاته الخاصية الأخيرة هي العقاب الذي تلقته لكونها أغرت آدم وحواء. أتكون الازدواجية إذن لعنة؟ وما القول في أسطورة بابل التي، وفق ما يقول مؤدب، "تحكي كيف تعددت اللغات لكي تقسم الإنسان، وتجعله ينهض ضد نفسه"؟ بحكم "سلالته المزدوجة"، يظهر مزدوجُ اللغة، على رغم ذلك، وسيطا بين الثقافات. فتوسّطه يجعل الحوار ممكنا، كما يمكّن اللقاء من أن يكون مفيدا غنيا بالإمكانات. أليس "متمرنا على الجمع بين الأضداد"؟ وهكذا فليس التضاد جمعا بين معنيين يتعارضان، وإنما هو تركيب يتمخض عنه معنى جديد.

1 2 3 4