رواية "سرور"لطلال فيصل
الرواية لم تأتِ فقط لتكتب نجيب سرور، بل جاءت لتكتبه ولتوثّقه، لتضع على الطاولة سيرة رجلٍ تشظّى بين المجد والعزلة، بين الشعر والسخط، وبين وطنٍ يحتضن جسده ويرفض صوته.
هذه ليست رواية بالمعنى التقليدي، بل قطعة من الذاكرة، مرآة لشخصٍ عاش كثيرًا ومات أكثر.
طلال فيصل لا يكتب عن سرور فحسب، بل يكتبه من الداخل، كل كلمة تُشعرك أن الكاتب لم يكتفِ بالتخيّل، بل ذهب يبحث عن الرجل في أرشيفات الألم، في الكتب المهملة، في ممرات المصحات النفسية، وفي دفتره الشخصي.
هنا تتشابك الحكاية مع السيرة، والسرد مع التوثيق. كل ما في الرواية يوحي بأن طلال لم يكن يكتب رواية عادية، بل كان يوثّق لنجيب بطريقة لا تليق إلا برفيق مخلص. حتى تلك الجمل التي تبدو وكأنها خرجت من فم سرور نفسه، لا توهمك، بل تصدق. الكاتب لم يسقط في غواية التقمّص، بل كتب كمن يفهم جيدًا أثر الكلمة حين تخرج من جرح، لا من قلم.
الرواية تسخر حين يجب أن تسخر، وتغضب حين لا يفيد الغضب، وتبكيك دون أن تستجدي الدمع. فيها رهافة روائي يعرف أن كل شيء يمكن أن يُقال، لكن ليس كل شيء يُقال بنفس الطريقة. وهنا تتجلى عبقرية طلال فيصل: أنه جعلنا نصدق المجنون، لا لأنه يصرخ، بل لأنه الأصدق في صمته.
في صفحاتها، لا ترى فقط نجيب سرور، بل ترى المثقفين حوله، ترى المجتمع من حولهم، ترى الخيانات الصغيرة التي تذبح الكبير، وترى كيف يمكن لكتابٍ أن ينحاز لبشرٍ عاديين، لا بوصفهم أبطالًا، بل بوصفهم ضحايا الضوء المنكسر.
حين انتهيت من الرواية، شعرت أن طلال فيصل قد وضع على عاتقه مسؤولية لم يُطلبها منه أحد، لكنه حملها كما يحمل الابنُ سيرة والده المجهول. رواية مثل هذه لا تُقرأ مرة واحدة. بل تُقرأ كأنك تودّع صديقًا لن تراه مرة أخرى، ثم تعود لتبحث عنه في كل صفحة.
ولعل أجمل ما في رواية "سرور" أنها تذكّرك بأن الإنسان ليس سيرة تُروى، بل رعشة تُكتب ثم تُترك على السطر، حيّة. وطلال فيصل لم يكتب نجيب سرور، بل أعاده للحياة، لا ليمشي بيننا، بل ليتهجّى حريته مرة أخرى في عيوننا.
أفين حمو