ـ حينما يتعانق العلم بالخرافة ، والواقع بالمستحيل ، والحقيقة بالسراب ، والغموض بالوضوح ، والألم بالأمل ، والقوة بالضعف ، والجمال بالقبح ، والسلاسة بالصعوبة ، عليكم أن تأخذوا حذركم ، فإن الأمر جد خطير؛ لأنكم في حضرة قلمٍ ذهبيٍّ شديد الإبداع ، عظيم الإمتاع ، قوي الإقناع ، يعرف كيف يصل بك إلى حيثما يريد ، فتجد ما يسرك أو يزيد .
ـ رحلة في غياهب النفس البشرية ، عميقة بالقدر الذي أدهش الجنان ، وأطلق العنان ، وأصمّ اللسان ، وزلزل الأركان ، بسطوةٍ لغويةٍ ، وفكرةٍ عبقريةٍ ، وقصةٍ شائقةٍ وسردية رائقة ، أبحر بنا هذا الربّان الذي تمرّس في مثل هذه الرحلات ، تلك الرحلات التي ظاهرها خلاف باطنها ؛ فتدخل إليها مطمئنًا ، ولكنك تتفاجأ في دواخلها بصراعاتٍ ، ودوّاماتٍ ، وأمواجٍ لا حد لها ، حتى تظن أنه لا مفر من الهلاك .. ولكن، ولأنه رُبّانٌ قدير، يغيّر دفة الرحلة إلى حيث لا تظن؛ فتجد النجاة من بعد الهلاك ، والنور من بعد الظلام ، والحقيقة من بعد السراب.
ـ في قصةٍ عبقرية، تناول الكاتب المبدع أحمد عثمان، دائم التألق ، حياةَ مجموعةٍ من البشر لا يختلفون عنّا؛ فهم ربما نحن ، أو نعرفهم ، على أقل تقدير، حوادثُ مررنا بها أو شاهدناها ، حقائقُ حصلت معنا أو علمناها. ولكن هنا، بهذا السيناريو الذي غُلّف بالغموض من أوله إلى منتهاه – وهو أمرٌ ما أجمله وما أحلاه! – كانت شخصية "سحر" ذات السحر الخاص ، تلك التي تعمل مهندسةً مع زوجها الطبيب النفسي ثابت ، الذي يأخذها في رحلةٍ إلى عزبةٍ وقصرٍ غريب ؛ على إثر واقعة نفسية شديدة ، ورغبة في إخراجها مما هي فيه ، قصر تحوم حوله العجائب والغرائب .. فتخرج منه المسكينة خلافًا لما دخلت إليه، تتبعها اللعنة ، أو هكذا تظن أولًا، فتتغير حياتها وتنقلب رأسًا على عقب.
ـ وتخرج من بواطن القصة قصصٌ أخرى؛ منها خالد وجميلة ، سليمان وأطياف ، حازم وياسمين وندى... تتمحور جميعها حول النفس البشرية وغرائبها وعجائبها ، التي كلّما ظن أحدٌ أنه وصل إلى منتهاها، فُتِح له سيلٌ لا حد له ، فتتوه في طياتها .
ـ غموضٌ مغلّفٌ برعبٍ ، ورعب مزينٌ بالعلم ، وأخيرمشوبٌ بالجهل ، مخضبٌ بالفكر، مرطّبٌ بالمكر، بلغةٍ سلسةٍ، عربيةٍ فصحى سردًا، عاميةٍ حوارًا. ولأن الرواية تأتي لاحقةً – خلافًا لما هو معهود – للعمل السينمائي الذي حمل اسمها، فإنها برعت في خلق مشهديةٍ سينمائيةٍ داخليةٍ لكل قارئ؛ فكلٌّ رآها من وجهته، ومرّرها حسب طبيعته، وسار عليها خلافًا لغيره.
فتنوعت الرؤية ، وترقرقت الفكرة ، وحصلت من بعدها سكرةٌ للعقل إذ يعيها، وللعين إذ تراها! .. فإن مرّ عليها الضحى ، فالليل ذا يغشاها .. تحويرٌ وإسقاطاتٌ ذاتُ عمقٍ رهيبٍ ومعنى عجيب؛ فما تظنه بعيدًا فهو أقربُ قريب، والعكس كذلك، والعكس يفهمه النجيب.
ـ ثم إنه لم يقف عند حدٍّ لهذه النفس البشرية، كما قلنا، بل دخل من مجموعة أبوابٍ، وفتّش في الأحوال والأعمال والأقوال، فخرج بكمٍّ هائلٍ من الأسرار، وسبر كثيرًا من الأغوار ، ولكن، بالطبعز، الأمر ما زال مفتوحًا، يحتمل كل نهاية ، ومن عبقريته أنه تركها هكذا حتى تستمر في وجدان كل قارئ، أو ينهيها كل قارئٍ بما يريد، بما يرى، بما يشعر، بما يحسّ، بما وصل به المعنى!
#أبجد
#روحي_فيك
#أحمــــد_عثمـــان
#مراجعات_محمود_توغان