الرواية: روحي فيك.
الكاتب: أحمد عثمان.
دار النشر: كيان.
عدد الصفحات: 302 على أبجد.
قد يكون هناك حرق لأحداث الرواية.
❞ لم يدر بخلده أن تكون هذه هي النهاية الأكثر قسوة من الموت؛ فحين يموت أحبّاؤنا تتخلَّى عقولنا تدريجيًا عن ذكراهم، بفعل إرادة الحياة وتدفّق الأحداث، لكن كيف للعقل أن يتفهم ما نطلبه منه عند الانفصال؟! كيف ننسى مَن لا نزال نراهم؟ كيف نتخلّى عن أقرب الأقربين من قلوبنا وهم على بُعد خطوات؟! ❝
أول مرة أقرأ للكاتب أحمد عثمان، وكانت مفاجأة مذهلة أن أرى لأول مرة عمل سينمائي يتحول إلى رواية لا العكس، نقطة أحي الكاتب على جرئتها، ولقد دارت الرواية في ثلاثة خطوط متوازية، بين حياة الأبطال الرئيسين وحياة صاحبة القصر وحياة المريض x ( اتضح أنه شخصية من رواية أخرى للكاتب ).
" الموت كالحياة كلاهما حق، فلكل أجلٍ كتاب، ولكل وعد ميعاد "
الموت، نقطة فارقة في أحداث الرواية، حيث كان سبب جنون جميلة ومحاولتها لاسترجاع زوجها بالسحر من خلال سليمان، وكذلك إصابة سحر بالانفصام بعد رؤيتها لوالدها المشنوق و وفاة ابنتها نورا وتأثرها العميق بقصة جميلة وخالد.
" فيه حاجات كتير قوي حلوة في حياتنا، بس الدنيا شاغلانا عنها بدون داعي، ما بتعرفش قيمتها غير بعد فوات الأوان"
بدأت الرواية بسحر في العزبة التي كانت نقطة فارقة في الرواية، حيث اصطحبها زوجها ثابت لإعطائها فسحة للترويح عن نفسها بعيداً عن ضغوطات الحياة خاصة بعد وفاة ابنتها نورا وإصابة حياتهما بالتوتر، لتكون هذه بداية دمار حياتهما بعد أن تلبست " هي " حياتها وأصبحت تدير مجرى حياتها أو كما تهيأ لنا، حيث أصبحت تتخبط في حياتها فتارة تكون سحر بشخصيتها الضعيفة التي تحاول إرضاء الجميع، وتارة تكون " هي " بشعرها الأحمر المتمرد وشخصيتها القوية التي لا تخشى أحداً وتسعى لتغيير سحر وأخذ حقها من كل من أساؤا إليها، ولم تستمر زيجة ثابت بسحر حتى انفصلا، وكيف وقعت في حب خالد الذي كان عوناً لها ويحاول إعادتها إلى شغفها القديم مع إيصال رسالة لها بأن لا تعتمد على أحد، و محاولة ثابت المستمرة في إعادتها سواءً كزوجة أو إلى نفسها بعيداً عن هذه المتاهات التي وقعت بها، حتى كانت وقت مواجهتها لحقيقة نفسها وما الذي ارتكبته بحقها في العزبة حيث كانت الشاهد على ما حدث.
❞ روّح لبيتك، أنا كنت غلطانة لما قبلت أبقى رقم اتنين، لأني أستاهل أبقى رقم واحد! ❝
ندى صديقة سحر، جسدت الصورة المثالية للصديقة التي تقف مع صديقتها في أزماتها ومراحل نجاحها وحزنها وألمها، على الرغم من غيرتها منها فإنها حاولت أن تكون عوناً لسحر، وكيف أنها استغلت ضعف حازم واحتياجه الشديد للعاطفة بسبب جفاء زوجته معه، لتقوم بالزواج العرفي معه بعد الاستعانة بحارس عن طريق خداع حازم، ولكن لم تكتمل فرحتها قبل أن تكتشفهم زوجة حازم ياسمين وتقوم بإهانتها.
❞ كانت مشاعره عجيبة حقًا في هذه اللحظة، فلم يرغب أبدًا في كسرها، ربما لهذا أخفى فعلته، لقد أحبَّها من كل قلبه، لكنها لم تبادله أي مشاعر، ومع ذلك كان راضيًا بمجرد القرب منها وتحمَّل جفاءها على أمل أن تتغير، لكنها لم تفعل، واستمر نزيف مشاعره حتى جف قلبه من ناحيتها وساقته احتياجاته. ربما كان يريد منها أن تتمسك به في هذه اللقطة، علّ ذلك يوقف القدر القادم أو يغيّر أي شيء، لكنها كانت على عهده بها؛ جافة جامدة، لا تريد بذل أي مجهود من أجل أي أحد غير نفسها! ❝
حازم الذي أشبه لاعب السرك السائر على خيط رفيع وهو يحاول ألا يختل توازنه، حيث حاول الحفاظ على منزله وزواجه من ياسمين وابنه، وبين أن يعطي نفسه الحق في الحصول على المشاعر وملء جفاف قلبه وخلوه من المشاعر وتلبية احتياجاته عن طريق زواجه من ندى، ولقد كانت علاقته بأخته سحر متباعدة، وكيف أنه كان يرى ما تمر به دلع بنات، فلقد جسد شخصية أغلب ذكور عصرنا الحالي.
❞ يسعى الجميع إليها ويعظّمونها ويلبّون كل طلباتها بإشارة من يدها، فداءَ جمالها ودلالها، لكن دوام الحال من المحال، وها هي تفقد سطوتها على ماكينة الصرف في النهاية فيتحوَّل إلى أول مَن تُلوّح له، ولا بدّ له أن يدفع الثمن الآن! ❝
ياسمين، مثلت الشخص الذي لا يفكر إلا في نفسه دون اهتمام بمشاعر الشخص الآخر، سواء كان زوجها أو ابنها، وكيف تعاملت مع ثابت بطريقة لا يتعامل بها من يحتاج المساعدة من طبيب نفسي، بل حاولت دائماً أن تجعل ثابت يثبت أنها تسير في الطريق الصحيح في الانتقام من حازم، وحينما وقف ضدها قامت بإهانته و السخرية منه في أنه يستغل الغلابة ولا يستطيع الحفاظ على زوجته، وقد أغضبني عدم اهتمامها بولدها وكيف قامت بكسر عينه وتقليل منزلة والده في نفسه حين رأه مع زوجة أخرى غير والدته.
❞ أما «حازم» فقد سيطرت عليه حينها مشاعر غريبة وهو يرمق نظرات ابنه إليه، متذكرًا نظراته إلى أبيه الذي كان يكرهه لغرقه في السحر وتركه لهم يواجهون الحياة بمفردهم، وها هو الآن ابنه يرمقه بالنظرات الجارحة نفسها، دون أن يفهم حقيقة الأمر! ❝
ابن حازم، شخصية مهمشة في الرواية كواقعه في حياة والديه، لم تهتم ياسمين به واستخدمته فقط في كشف حقيقة زوجها.
" الفنان الحقيقي من يستطيع إيجاد كل ما هو جميل داخل القبخ، وليس من يجد القبح في كل جميل "
ثابت، الشخص الواقعي المنطقي في الرواية ( العقل)، جسد صورة الشخص الثابت في مواجهة ما مر به من وفاة ابنته وطلاق زوجته، وصبره على المريض x، ومحاولته المستميتة في علاج زوجته وكشف حقائق حياتها، ومثل صورة الرجل القابل لتكيف على ما يدور حوله للوصول إلى حلٍ نهائي حينما وقع في موقف صعب بين التمسك بالمنطق أو الإيمان بالماورائيات، لم أعرف كيف صبر على شخصية مثل ياسمين أو تهاون مثل شخصية رقية وحازم،
كان صورة رائعة للزوج الوفي الي سعى بكل جهده لحماية زوجته من مرضها وسحر سليمان خاصة حينما علم بقصة والدها وأنها مستعدة وراثياً للإصابة بالمرض.
❞ -السم هو اللي بيموت، أيوه السم، السم اللي بتحطيه في كل كلامك وانتِي بتلوميني، اللوم زيه زي السم، بس أصعب، لأنه بيقتل بالبطيء، من ساعة ما وعيت على الدنيا وانتو بتلوموني، لغاية ما خلاص سِمّكم بدأ يموتني! ❝
رقية التي لم تهتم بابنتها حق الاهتمام حيث لم تتوقف دائماً عن لومها وعدم سماعها وترك حازم يتصرف معها بقسوة وكأنه والدها.
كان هناك عدة شخصيات مساعدة: مثل المريض x وسليمان وزوجته أطياف والشيخ حارس ومالك والد سحر الذي ارتبط بالسحر المحرم واستدعى الجنية نعيمة.
إيجابيات الرواية: السرد ممتاز والأحداث مشوقة حيث لاتعلم هل ما يحدث مع سحر حقيقي وهناك روح سيدة القصر حقيقيةً أم هي أوهام تعيشها سحر؟ فكانت النهاية رائعة ونجح الكاتب في نسج حبكة مترابطة ممتازة، وأعجبني التركيز على المرض النفسي باختلاف أشكاله في الرواية، فكانت تجربة رائعة لأول مرة أقرأ فيها للكاتب.
السلبيات: ذُكر في الرواية مشهد لندى وحازم حين جامعها، ولم يكن من المهم ذكر هذا المشهد مع هذا الوصف، حيث لم يكن ليؤثر في أحداث الرواية، بالإضافة إلى أنه من لم يقرأ رواية الكاتب السابقة التي تدور عن المريض x لم يكن ليفهم سبب تواجده في هذه الرواية.
نقطة حلوة بعيداً عن الرواية وهو الغلاف اللي حقيقي جيد أحداث الرواية من غير حرق ليها وعبر عنها بشكل ممتاز.
اقتباسات أعجبتني:
" الشيطان دوره المكتوب إنه يحاول يقنعك، وبعد كده وحدة وحدة هيخليك تكفر بكل حاجة آمنت بيها "
" مسحوراً ظل يرتل آيات ذلك الكتاب النجس التي تثقل قلبه بالذنوب والشك يلج نفسه، كاسراً إيمانه بكل شيء، ومع ذلك يستمر في قراءة الكلمات المحرمة التي تذهب العقل، ليلامس الكفر شيئاً فشيئاً "
" اللي بيدبحنا دايماً القرارات اللي أجلناها وملحقناش ناخدها "
" لما بتشوف أكتر من اللازم بتعرف أكتر من المطلوب، ساعتها بس بيبقى صعب تفرق بين الحقيقة والخيال "
" عشان تفهم لازم تسمع، وعشان تسمع لازم تصدق اللي لا بيتشاف ولا بيتقري"