رواية قصص لم تنتهِ بعد للكاتب أحمد متولي
دار النشر: إبهار
عدد الصفحات: 145 صفحة
سنة النشر: 2024
قصص ما بين الحلم.. والحلم
❞ الضوضاء هنا تبدو كخلفية موسيقية من تأليف بيتهوفن! تعتقد للحظة أنها ضوضاء مصنوعة خصيصًا لتتناغم مع الأحداث. ❝
رواية تبدأ مع ضوضاء وشعور وهمي بالنصر كما النصر في لعبة، متاهة وتفاصيل مبعثرة تجعلك تتساءل من هذا وما الذي أفعله معه في كل هذا التخبط الذي يشعر به، والكأس الذي يضعه أمامه حتى تقرر أن تقول معه "!One more, please" وتبدأ الحكاية...
تحكي الرواية عن عادل البارمان الذي نبدأ معه في التعرف على حياته من خلال روايته وسرده طول الأحداث، الحوار يظهر على استحياء في الرواية ونعتمد بشكل أساسي على الراوي البطل، نرى كل الأمور من وجهة نظره وكما عرفها هو في حينها، تتبدل الأشخاص في حياته ما بين صديقه وامرأتين ربطه بهن علاقتين زواج فاشلتين انتهت بالطلاق، وعدد من النساء الأخريات منهن أما وهلين التي اختصها بفصل في الرواية باسمها وأعتقد أنها تستحق لأنها كانت الشخصية الأكثر بريقًا وقوة من ضمن الشخصيات النسائية اللاتي ظهرن في الرواية وقصتها كانت تستحق أن تسرد في مساحة كافية ليعرفنا على نفس بشرية وتفكير أنثوي قوي وواضح مغاير لتفكير البطل إلى حد كبير.
تبدو الرواية وكأنها فصول مقتطعة من حياة عادل، يمنحك في كل مرة جزء من سنواته الماضية، جزء من الحاضر، ولكن أنتظر.. لا تتوقع مستقبل، فبطلنا يعيش اليوم بيومه كما يقولون، فقد زواج لأنه لا يريد جدال مع زوجته الثانية لرغبته في استكمال زجاجة الخمر بهدوء! وقع في فخ الشهوة مع امرأة متزوجة لا يعرفها جيدًا قابلها في البار ليجد في النهاية أنه وقع في فخ المصيدة! لا يملك قراره ولكنه يملك كأسه فكيف تنتظر مستقبل له؟!
فكرة أن يخرج البطل من الحلم الذي جعلنا نشعر معه أنه واقع جعلني بعد بعض الوقت أتفهم مدى شعوره أن حياته بأكلمها حلم، فشعرت وكأنه يخرج من حلم إلى حلم، كل شيء بالنسبة له مبهم، غير واضح، وغير مهم.
من أقرب الفصول لقلبي حينما فقد صديق والده الأستاذ عرفان، شعرت بكل آلمه، بسيول دموعه، بالفقد الذي يتجدد مع كل موت ويجعلنا نتذكر مرة أخرى كل من رحلوا على مدار سنوات حياتنا، أحببت للغاية وصف التخبط الذي عانى منه البطل وشعوره كيف يحمل تذكرة لا يعرف وجهتها يشم رائحة كل شيء حوله وكأن حواسه قررت الآن أن تستفيق، أن قلبه الآن قرر أن يحزن بكل ما يستطيع من قوة.. إن كان هناك قوة!
على الرغم من أن حدث مقابلة سالي وعلاقته بها وكل ما نتج عنها كان له تأثير واضح في ترك البطل لعمله، إلا أنني لم أشعر بتأثيره على شخصيته بصورة واضحة، لأنه من البداية كان متخبط وزاد هذا الموقف من تخبطه أكثر، ولكنني شعرت وكأنه (مطب) مررنا به وأكمل صديقنا الطريق بنا، انتظرت بقية للحكاية وتوقعت أن تكون هي الذروة التي سيختلف معها كل شيء، ولكن البطل لم يختلف، أستمر يتعرف على أي أنثى تقوده شهوته نحوها، لم يحاول التراجع عن معاقرة الخمر أو حتى ترك هذا العمل بكل ما فيه والبحث عن بداية جديدة، وهذا ما ذكرني أيضًا بالجزء الذي قرر فيه التراجع عن شرب الخمر، ليعود في اللحظة التالية لشربها وكأننا لا نعرف من كان يتحدث بالضبط في اللحظة السابقة، ربما كان يحاول الابتعاد عن كل هذا العالم، ولكن كيف وهو للحقيقة يدفن قدميه فيه حتى أخرها.
❞ أؤمن دائمًا أنني بشر، وأن البشر من طبيعتهم الخطأ وصنع الهفوات، وأجلد ذاتي كل يوم قبل النوم كالدواء، أنا المُنفتح على كل الأفكار، وأنا من وضع القفل الكبير على كل الآراء، اختياراتي كلها رومانسية، وأمتلك الرقم صفر من المشاعر، أنا صادق جدًا في كذبي، أنا المؤمن بكل شيء وأنا الكافر بكل الأشياء. ❝
رواية ذات نظرة فلسفية ونفسية وإنسانية واضحة سواء في نفسية البطل وكل الأحداث التي يمر بها أو الأشخاص الذين يقابلهم، الكثير من الجُمل التي قالها البطل عن نفسه ومشاعره لامست قلبي بصورة بالغة وجعلتني أعيد قراءتها أكثر من مرة وأتخذها اقتباسات مفضلة وأعيد نشرها، أحب كثيرًا الروايات التي تثير في عقلي النظرة للإنسان وروحه، نظرة من أعلى على النفس البشرية التي لن تتواني أن تدهشني كل مرة يظهر أمامي سر من أسرارها.
الغلاف كان من الاختيارات المناسبة للغاية، الخطوط المتداخلة التي لن تتصور أنها يمكن أن تصنع صورة ولكنها صنعت وجه بطل نتعرف داخل صفحات الرواية على خطوطه المتداخلة تلك جميعها من خلال شخصيته ومواقفه وتفكيره. كما أن رسمه بنصف وجه ورأس كان من أجمل الأفكار المطروحة في الغلاف وكأنه يخبرنا أن كل ما نراه من بطلنا هو نصف ما يُرسم داخله بالفعل أو أن رسمته لم تكتمل بعد كما عقله الذي يغيب ما بين حلم وأخر وكأس وأخر.
أما عن اسم الرواية نفسه كان ملفت في البداية، ولكنني عند البحث بالصدفة وجدت كتاب أخر بنفس الاسم، ففقدت شغفي به لانتفاء صفة التفرد التي أفضلها في عناوين الكتب وللحقيقة لا أعلم من اختر الاسم قبل من.
النهاية بالنسبة لي كانت من أهم نقاط الضعف أن لم تكن هي الأهم، على الرغم من تخبط البطل طوال الأحداث وعدم تنظيمه لكل شيء، حياته، زواجه، عمله، كل شيء، إلا أن النهاية كانت أشدهم تخبطًا، أقلب الصفحات وأمشي مع البطل في متاهة حياته، أقلب الصفحة التالية لأجدها المحاكمة والنهاية، لماذا يقف شخص بهذا التخبط أمام قاضي ليخبره بأي شيء؟ شخص مثله سيترك القاضي نفسه دون رد أو إجابة، حتى وأن كان قاضًا وهمي. نهاية مبتورة بالنسبة لي ولم أفضلها، متقبلة للغاية فكرة أن البطل لا يعرف كيف يُغير من نفسه وسيبقى حاله كما هو، ولكن لماذا بهذا البتر؟ وكأنني شعرت أن الكاتب قرر فجأة إنهاء القصة وإيقاف كل السرد الذي قام به البطل، كنت سأتقبل أن أستمر أكثر من ذلك في تعريفي بحياته واختيار نهاية مختلفة.
في النهاية جاء في ذهني خاطر وسؤال كان سيجعلني أتغاضى عن عدم محبتي للنهاية؛ هل ربما تكون تلك الرواية في الأساس هي حكايات عادل للدكتور مأمون؟ هل كان الدكتور مأمون شخصية حقيقة أم صديق وهمي لعادل؟ هل كان القاضي نفسه هو الدكتور مأمون من وجهة نظر عادل؟
لا أعلم.. ربما كل هذا كان نتيجة للتخبط الذي يعيشه البطل فجعلني أعيشه أنا الأخرى مع نهاية حكايته، التي أعتقد أنها لم تنتهِ بعد.
اقتباسات:
❞ أشعر بالنصر الآن، لكنه نصرٌ وهمي، تمامًا كما انتصر في لعبة البلاي ستيشن. كل ما يشغلني الآن هو كيفية الحفاظ على توازني، وشعوري المُفرط بالسعادة، وهذا سبب كاف جدًا ومنطقي لقرار جديد: "!One more, please". ❝
❞ لماذا لا نكون كجهاز الحاسب الآلي، يطلعك على النتائج بتجرد تام؟ لماذا لا أستطيع التعبير عن مشاعري كما هي؟ ملايين من الأسئلة اللقيطة التي لا أعرف لها أبًا ولا أمًا. نوع من الذكاء أن تعلم أنه ليس لكل سؤال إجابة مقنعة، بل نوع من الذكاء أحيانًا أن تُقنع نفسك بإجابات غير مُقنعة على الإطلاق. ❝
❞ من قال إن الحياة عادلة لم يعش في حياتنا بعد، الحياة ليست عادلة مثلك تمامًا يا عزيزي. نعم نحن بطبعنا مُتحيزون، نحب لسبب ونكره لسبب، وفي نهاية اليوم نكفر بكل الأسباب وننكرها. ❝
❞ نستحق كبشر ألا نخجل من السقوط، لنا حق البكاء بلا شروط، حتى وإن كان البكاء ضعفًا. لو لم نشعر بالضعف لما عرفنا معنى القوة. ❝
❞ أؤمن أن الندم لا يفيد وأندم كل يوم باستمرار كالصلوات، لا أحب الحكم على الآخرين، وأحكم عليهم من أول لقاء، ❝
❞ "من أشد أنواع الظلم، أن يلعب الظالم دور الضحية، ويتهم المظلوم بأنه ظالم". نُسبت هذه المقولة لـ (ديفيد هيلبرت). ❝
❞ ليس كافيًا أن تكون إنسانًا عادلًا حتى تتجنب ظلم الآخرين، وليس كافيًا أن تكون إنسانًا نزيهًا لتتجنب اتهام الآخرين لك بالحقارة، هذه قوانين ليست جديدة على الإطلاق، بل هي موجودة مُنذ بداية الخليقة. ❝
❞ لم أكن أعلم أنني بهذا الضعف، أو ربما لأن الموضوع كان يتعلق بالموت وفراق الأعزاء، الأمر الذي يُخرجك عن أي سيطرة، فالآن الحكمة والمنطق وخبراتك في الحياة أصبحت أشياءً لا قيمة لها أمام ما تشعر به من إحباط وعدم رغبة في عمل أي شيء. ❝
❞ أنا الآن في يوم من أتعس أيام حياتي على الإطلاق، لا أكترث لأحد، ولا أشعر بأي نوع من المشاعر إلا شعور الإحباط الذي أخذني أثيرًا، أتنفس لكنني أختنق، أرى الناس من حولي وأسمعهم، لكنني لا أستوعب ما يقولون، داخلي ميت وجسدي مجرد نعشٍ مُتحرك، لدي رغبة في صرخة قد تفلق حنجرتي نصفين، أتمنى البكاء لكنني لا أستطيع، أنا فقاعة هواء تركض بسرعة في دوامة على سطح الماء سوف تنفجر عاجلًا أم آجلًا، أنا لا أريد هذه الحياة، ❝
#احمد_متولي
#قصص_لم_تنتهي_بعد
#قصص_لم_تنتهي_في_فنجان_قهوة_وكتاب