قصص لم تنتهِ بعد > مراجعات رواية قصص لم تنتهِ بعد > مراجعة Bassma Algaml

قصص لم تنتهِ بعد - أحمد متولي
تحميل الكتاب

قصص لم تنتهِ بعد

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

قصص لم تنتهِ بعد للكاتب أحمد متولي عن دار ابهار للنشر والتوزيع

لا تعتقد أنها حكاية عن مدمن كحول، بل هي رحلة عميقة في دهاليز عقل مضطرب، ففي عمله الروائي الأول، يُقدم أحمد متولي رحلة مضطربة داخل عقل مدمن، يندمج السرد مع الهذيان، فيكشف هشاشة نفس عادل البشرية وصراعها المستمر مع الذات.

▪︎- في البداية، قرأتُ العمل دفعةً واحدة، ولم يرقَ لي فليس كما توقعت، شعرتُ أن التفاصيل الدقيقة لم تكن كافية، خاصةً أن الرواية بطبيعتها تعشق السرد والتفاصيل التي تُشبع فضول القارئ لمعرفة المزيد عن طبيعة الحياة التي رسمها الكاتب، لكنني عدتُ للقراءة مجددًا، هذه المرة واضعة في اعتباري أن ما كُتب ليس مجرد سردٍ روائي، بل فوضى عقل عادل، أفكاره المتشابكة، وذكرياته المضطربة، ومن هنا بدأت لي الرواية فصول تروي حالة بطلها، فهو لا يكتب بحساباتٍ واضحة، بل يسكب وعيه كما يسكب الكحول في كؤوسه، لذلك حين فكرتُ في تحليل العمل، وجدتُ أن المراجعة لا يجب أن تنفصل عن شخصية عادل نفسها فالرواية عنه، ومنه وبأسلوبه، إنه رجلٌ مخمور يروي حكايته وهو مترنحٌ بين الواقع والهذيان وكأنك في رحلةٍ طويلةٍ بصحبة مدمن كحول، تستمع لحكايته من فمه مباشرة، تتعاطف معه، تفهمه، وتسافر معه في محطاته النفسية، مع كل كأسٍ يرتشفه، مع كل نوعٍ جديدٍ من الخمر، مع كل كوكتيلٍ يحمل تأثيره الخاص.

على الرغم من عمق السرد وثراء التجربة النفسية لعادل، إلا أن القصة اقتصرت على خمس محطات فقط في سبعين صفحة، وهذا ما جعل الرحلة تبدو غير مكتملة، وكأن السرد توقف قبل أن يصل إلى ذروته، وكأن الهذيان انتهى قبل أن يأخذ مداه!، خمس محطات فقط؟ خمس كؤوسٍ في سبعين صفحة فقط! تمنيت أن أطيل البقاء مع عادل، مع اضطراباته، مع كلماته التي تحمل ثقل حياته وخفته في آنٍ واحد، ورغم كل شيء، وجدتُ في تيهه متعةً، وفي سُكره صدقًا، وفي فوضاه ما يستحق أن يُقرأ.

❞ أنا صادق جدًا في كذبي، أنا المؤمن بكل شيء وأنا الكافر بكل الأشياء.‏ ❝

▪︎- في الحياة، هناك أشخاصٌ يعاقبهم المجتمع على أخطائهم، وهناك آخرون يعاقبون أنفسهم بأشد مما قد يفعله أي قاضٍ أو قانون، وعادل واحدٌ من هؤلاء، رجلٌ يخوض صراعًا داخليًا أشد قسوة من أي حربٍ خارجية، يسير على خيطٍ رفيع بين جلد الذات والبحث عن معنى لوجوده، بين احتقاره لنفسه واحتقاره للعالم من حوله شخصيةٌ معقدة، تائهة، لكنها في غاية العمق والشفافية، حتى وهو يعيش في ظلال الوهم والكحول.

❞ أنا كُرة كبيرة من التناقض مُنجرفة بسرعة هائلة على أرض مائلة، تأخذ في طريقها الفكرة، وتعكسها عند الدوران، نسيجها عُقد وخيطها أفكار وهواجس غير مُتلاقية ❝

- هل هذا العمل يبدو كرواية كاملة الأحداث والحبكة وغيرها؟.. لا هي فقط رحلة داخل غرف عقل عادل، تسرد الذكريات مع اللحظات التي بنت حياته، وحولته إلى ما هو عليه اليوم، يبدأ السرد بصوت عادل، النادل الذي أمضى في العمل ك-Barman- عشر سنوات في أشهر البارات المصرية، حتى صار البار عالمه الخاص، يراقب الزبائن، يستمع لا يحكم ولا يرمي أي تعليق فقط يتورط في فوضى ثرثرتهم كطبيب نفسي ماهر.

كان البار عالمه الذي أحبه، مساحةً تمنحه إحساسًا زائفًا بالسيطرة وسط حياة تدور بين الكحول والصراعات الداخلية. ترك عادل خلفه كل شيء شغفه بهندسة الديكور، زيجاته التي انتهت بالفشل، وغرق في ليالٍ متكررة من الشرب والعلاقات العاطفية والجنسية العابرة، مختبئًا خلف قناع من اللامبالاة لكنه في داخله لم يكن سوى عقلٍ مشغول لا يتوقف عن التحليل، عن التفكير في كل شيء، لكنه يظل عاجزًا عن التغيير.

- تُسرد القصة عبر خمسة فصول قصيرة وسريعة، يرسم فيها عادل ملامح علاقاته بالنساء، بالأصدقاء، بالزبائن، والأهم علاقته بنفسه، يحكي عن زوجته الأولى، عن إدمانه للكحول، وعن قراره بالطلاق بعدما أرهقه انتقادها المستمر له لتركه الصلاة وشربه للخمر، يحكي حكايته مع زواجه الثاني الذي انتهى كما بدأ بلا أثر، ويحكي عن صداقته التي قادته إلى العمل في البار، عن خبرته التي اكتسبها، وعن ذكرياته في السعودية مع والديه، موتهم وتأثيرهم عليه، وحتى علاقته بأخته خديجة التي تزوجت وهاجرت وتركته وحيدًا.

كان لعادل قاعدته الصارمة لا يرافق امرأة متزوجة، لكنه وجد نفسه يومًا مدفوعًا بفضولٍ ألقى به نحو جدارٍ مسدود اسمه مدام سالي زوجة أحد الرجال ذات المناصب الحساسة في الدولة، فانتهى به الأمر في عزلة امتدت لعامٍ كامل، غارقًا بين أفكاره وكأسه الممتلئ دائمًا، حتى حصل على عمل ك-Barman- في أحد أشهر الفنادق الكبيرة والعالمية في دبي، فيكسر عزلته ويبدأ رحلته.

- منذ البداية، يُظهر عادل ميلًا واضحًا لمحاكمة نفسه، لكن ليس محاكمةً عادلة، بل محاكمةٌ بلا دفاع أو شفقة، يقر بكل التهم التي يوجهها لنفسه، يرفض التماس الأعذار، بل ويعتبر أنه ارتكب جرائم في حق نفسه ويجد لها مبرر وكأن هناك قاضيًا داخليًا يسكنه، لا يرحم، لا يهدأ، لا يقبل التبريرات، لا يلوم أحدًا على معاناته، بل يُحمِّل نفسه كل الأخطاء، حتى وإن لم تكن كلها أخطاءه، وهذا الميل إلى جلد الذات في شخصيته يوضح لنا أنه يمتلك إحساسٍ مزمن بالذنب وتأنيب الضمير، رُبما بسبب قراراتٍ خاطئة، أو بسبب صدماتٍ قديمة لم يتعافَ منها، لكنه في النهاية لا يستطيع أن يسامح نفسه فبالنسبة له، كل ما عاشه كان سلسلةً من الأخطاء، وكل ما يفعله الآن هو دفع ثمنها، على الرغم من أن أحدًا لم يطلب منه ذلك.

❞ لماذا أقبل نفسي، وأتصالح معها فقط بعد الكأس الرابع؟ لماذا لا أقبل نفسي، ولا أتصالح معها إلا وبيننا الكحول وسيط؟ ❝

- الكحول لم يكن مجرد عادة سيئة في حياة عادل، بل كان مهربًا من الحقيقة، وطريقةً لإسكاته لصوته الداخلي الصاخب في وعيه، كان يعيش صراعًا قاسيًا مع نفسه، لكنه عندما يشرب، يصبح كل شيء ضبابيًا، أقل وضوحًا، وأكثر احتمالًا، المشكلة أن الكحول لم يكن مجرد مخدرٍ للألم، بل أصبح جزءًا من هويته، حتى أنه يعترف بحبه لنفسه وهو ثمل، وكأنه يكره ذاته الواعية، ويرى في السكر وسيلةً ليصبح شخصًا يستطيع تقبله.

❞ ‏استيقظت، ولسبب ما استيقظ معي قرار غريب كان بالنسبة لي حينها قرار اتخذته لأول مرة، لا أريد كحولًا بعد اليوم، كيف ذلك؟ وأنا أعمل في بار أكثر من ثمان ساعات يوميًا؟ قلت لنفسي الساذجة: "هذا هو التحدي". ❝

- على الرغم من إدمانه، هو واعٍ تمامًا بتأثيره، ويكره نفسه أكثر كلما استسلم له، كل مرة يقول "لن أشرب"، لكنه يعود للكأس في النهاية هذه الدائرة المفرغة من الإنكار، ثم الاستسلام، ثم الندم، فلا يملك القوة ليغير واقعه أيضًا.

فإلى جانب صراعه الداخلي، يعيش عادل في صراعٍ مع المجتمع من حوله، يرى العالم مكانًا مزيّفًا، مليئًا بالكذب والخداع، حيث يدعي الجميع المثالية بينما هم في الحقيقة غارقون في نفاقهم، لكنه رغم ذلك لا يستطيع أن يكون جزءًا منهم، ولا يستطيع أن يعيش بعيدًا عنهم، يشعر أنه محاصر بين كراهيته للمجتمع وحاجته له، فيرفضه، لكنه لا يجد مكانًا آخر يذهب إليه، يرى في نفسه شخصًا مختلفًا، لكنه لا يشعر أن هذا الاختلاف ميزة، بل لعنة جعلته منبوذًا نفسيًا. وهذه العزلة تزيد من ألمه، وتدفعه أكثر نحو الغرق في وحدته والكحول، وكأنهما الشيئان الوحيدان اللذان لم يخدعاه يومًا.

- كوابيس عادل ليست مجرد مشاهد عابرة بل أحلام توضح مدى أزماته النفسية وصراعاته التي يعاني منها، يرى نفسه في غرفة مغلقة يحاول فتح بابها بالمفتاح، لكنه يفشل، ويكتشف في حلم آخر أن الباب كان مفتوحًا طوال الوقت، وكأن محاولاته للهروب من معاناته كانت مجرد وهم، وأن الحل كان أمامه لكنه لم يستطع رؤيته في كل هذه الأحلام، يظهر عادل كشخصٍ عالق بين محاولة الهروب وبين إدراكه أن المشكلة ليست في العالم من حوله، بل في داخله، فهي ليست مجرد كوابيس، بل رسائل من عقله الباطن، تحاول إخباره أن المشكلة لم تكن أبدًا الباب المغلق، أو السقوط، أو الطريق المجهول، بل إحساسه المستمر بأنه غير قادر على تغيير واقعه حتى لو كان الحل أمامه.

ومع تصاعد الأحداث تتصاعد أزماته النفسية، فيدخل عادل في مرحلة متقدمة من الاكتئاب الحاد يصل إلى نقطة يرى فيها نفسه مجرد نعش متحرك، لا يشعر بشيء، لا يهتم بشيء، ولا يرغب في شيء. يصف إحساسه بالاختناق رغم أنه يتنفس، ورغبته في الصراخ رغم أنه عاجز عن ذلك.

❞ سيدي القاضي، لن أتوسل رحمتك، ولن أنتظرها، فأنت بالنهاية بشرٌ، بل أنت كُل البشر، استمتع بالحكم قدر ما تشاء. أنا لم أظلم أحدًا، بل ظلمت نفسي، ولم أخن أحدًا، بل خُنت نفسي، ونفسي بشرية ولو خيرتها لن تسامحني، لكنني على يقين أن الله سوف يتجاوز عن أخطائي، وعن هفواتي، وعن أمراضي النفسية، وهذا الشيء الوحيد الذي لن تستطيع مُحاكمتي فيه.‏ ❝

- من يرى عادل يظن أنه مجرد شخصية تائهة وضائعة، لكنه رجلٌ واعٍ تمامًا بصراعه الداخلي يفهمه ويتفاهم معه، لكنه عاجز عن تغييره، يجلد نفسه بلا رحمة، يهرب منها في الكحول، يرفض العالم من حوله، وفي النهاية يصل إلى مرحلة يرى فيها كل شيء بلا معنى لكنه لا زال إنسانًا حقيقيًا، يعبر عن آلاف الأشخاص الذين يعيشون صراعاتٍ مماثلة، فكل انسان بداخله عادل حي كما كتب الكاتب الأهداء في الصفحة الأولى في العمل "إلى عادل الذي بداخلنا" ولكننا لا نهرب إلى الكحول بل لأشياء أخرى تأثيرها كتأثير الكحول على عادل، فعادل هو صورة مكثفة لرجلٍ تآكلته الوحدة، وقتله الذنب، وتركه المجتمع ليواجه نفسه حتى أنهكه الصراع، السؤال الوحيد هو هل سينجو من نفسه يومًا؟ أم أن هذا الصراع قد كُتب عليه إلى الأبد؟.

▪︎- السرد في العمل بضمير المتكلم، يتولى عادل، سرد حكايته بصوته الخاص، دون أي تدخل من راوٍ خارجي، يمنح بصوته السرد طابعًا شخصيًا يجذب القارئ إلى عالم الشخصية الداخلي، فيرى الأحداث من خلال عينيها، ويعيش أفكارها وانفعالاتها وكأنها تنطق في ذهنه مباشرة، لكن السرد أيضاً يضع القارئ داخل حدود وعي الراوي فقط، فلا يعرف إلا ما يعرفه عادل، ولا يرى سوى ما يراه، وهو ما يفتح الباب لاحتمالات التشويش والانحياز فالحقيقة هنا ليست مطلقة، بل خاضعة لحالة الراوي النفسية ووجهة نظره الذاتية، كأن السرد موجه لإقناع القارئ بوجهة نظر عادل، مهما بدت متناقضة أو مربكة، فهو "صادق جدًا في كذبه، مؤمن بكل شيء وكافر بكل الأشياء"

- اللغة في الرواية كانت خفيفة وبسيطة، لم تكن متكلفة أو متصنعة، لكنها في الوقت نفسه كانت تحتاج إلى قوة أكبر تتناسب مع حدة الصراع النفسي الذي يعيشه عادل، التشبيهات المستخدمة كانت كثيرة، لكنها لم تكن زائدة عن الحد، بل جاءت في خدمة النص وعبرت عن حالاته النفسية المعقدة.

فرغم أن السرد كان بحاجة إلى تفاصيل أكثر تعمق في المشاهد ومنح القارئ فرصة للغوص في أعماق الأحداث، إلا أنه سار بنفس عبثية أفكار عادل، وروح العمل وكأن النص نفسه يعكس فكرة أسم العمل "قصص لم تنتهِ بعد"، فقد جاءت الفصول والأحداث غير مكتملة تمامًا، بنفس الطريقة التي لم يستطع بها عادل أن يصل إلى أي يقين في حياته.

▪︎- لا يعتمد العمل على تسلسل زمني تقليدي، بل يأخذ القارئ في رحلة داخل عقل عادل، مع انتقالات بين حاضر والماضي بلسانه الحبكة ليست مدفوعة بالأحداث بقدر ما هي مدفوعة بالمشاعر والتأملات الداخلية، حيث نرى كيف تتغير رؤيته لنفسه والعالم من حوله.

- نهاية قصة عادل لم تكن نهاية معتادة لبطل مدمن، لا على التفكير ولا على الكحول، عادل لم ينهزم بشكل صريح، لكنه أيضًا لم ينتصر، النهاية لم تكن إجابة، بل كانت سؤالًا جديدًا يضاف إلى قائمة تساؤلاته الطويلة بعد موت صديق والده، لم يجد في داخله طاقة للحزن، فقط صمت طويل، وإدراك قاتم بأن الحياة تجرّده من كل شيء، حتى من القدرة على الحزن، لكنه رغم كل ذلك لا يزال هنا بجسده، ولا تزال قصته مستمرة، بلا نهاية حقيقية كأنها قصة لم تنتهِ بعد، كأن عبثية حياته لم تعد مجرد مرحلة، بل قدرًا ارتضاه عن وعي أو استسلام فكما أختتم العمل بسؤاله لطبيبه النفسي "هل قيمة كونك إنسانًا، وُهبت لك الحياة والعيش في هذا العالم بقرار لم يكن قرارك، يستحق تحمل كل هذه المعاناة؟‏" فهل تكمن القيمة في مجرد الوجود، أم فيما نصنعه بهذا الوجود رغم الألم؟.

#بسمة_الجمل

#أبجد

#قصص_لم_تنتهِ_بعد

#أحمد_متولي

#قصص_لم_تنتهِ_بعد_في_فنجان_قهوة_وكتاب

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق