اسم العمل : قصص لم تنتهِ بعد
للكاتب: أحمد متولي
دار النشر: دار إبهار للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: ١٢٣ علي تطبيق Abjjad | أبجد
“قصص لم تنتهِ بعد” – حين تصبح الصدمة هوية والهروب حياة
تتناول الرواية الصراع النفسي العميق داخل الإنسان، بين ما يرغب به حقًا وبين ما يدفعه ماضيه إليه، بين محاولات التشافي ورغبة اللاوعي في التمسك بالألم المألوف. من الوهلة الأولى، يبدو أن الرواية تحمل شقين: الأول سردي عادي يعرض تفاصيل حياة البطل، والثاني نفسي يغوص في تأثير الصدمات على هويته واختياراته، وهو الأعمق والأكثر تأثيرًا.
عادل ليس مجرد شخصية، بل انعكاس لحالة إنسانية مأزومة "مضطربة". من البداية، يظهر كشخص يبحث عن شيء لا يعرفه، يشعر بالضياع المستمر، حتى عندما ظن أنه سيجد الاستقرار في الزواج، لم يكن ذلك كافيًا لملء الفراغ الداخلي بداخله. ليس لأنه لم يكن هناك حب أو استقرار، بل لأنه لم يكن قادرًا على استقبال أي منهما. لم يكن ضعيفًا، بل كان مثقلًا بحمل نفسي جعله عاجزًا عن رؤية النور حتى لو كان أمامه.
الإدمان في الرواية ليس مجرد عادة سيئة، بل نتيجة آلية دفاعية عميقة. لا يمكننا اختزاله في كونه “ضعفًا” أو “هروبًا”، بل هو نتاج سنوات من الألم غير المعالج. المدمن ليس شخصًا يهرب من العالم، بل يهرب من ذاته، لأنها مليئة بمشاعر لم يستطع مواجهتها. كلما ازداد كرهه لنفسه، ازداد انغماسه في الهروب منها، كأن عقله اللاواعي يعاقبه باستمرار على أخطاء لم يرتكبها بوعي كامل. لم يكن عاجزًا عن إيجاد الحلول فقط، بل كان عاجزًا عن تصديق أنه يستحقها من الأساس.
الرواية تعرض كيف يمكن للصدمات أن تشكل علاقتنا بالحب والنجاة. عادل لم يكن وحيدًا، كان محاطًا بأشخاص قادرين على منحه الحب، لكنه لم يكن قادرًا على استقباله. ربما لأنه لم يتعلم يومًا كيف يفعل ذلك، أو لأن الحب في عقله لم يكن يرتبط بالأمان، بل بالخسارة، بالخوف من الفقدان الذي تكرر في حياته.
بداية من الغربة منذ طفولته في بلد اخري بعيدا عن اصدقاءه واستمرار الفقد من اهله لزواج اخته
لهذا، كان ينجذب إلى من يرفضه، ويبتعد عمّن يستطيع منحه ما يحتاج إليه، لا كقرار واعٍ، بل كأنه يُعيد تمثيل صدماته القديمة مرارًا، كأن اللاوعي لديه يخبره أنه لا يستحق إلا الألم، فيتمسك به حتى وهو يحاول الهروب منه.
في النهاية، عندما نراه يحاكم نفسه، لا يكون ذلك بحثًا عن التغيير، بل مجرد إعادة تمثيل لدور الضحية الذي صار جزءًا من هويته. لم يكن العالم ظالمًا له بقدر ما كان عقله سجنه الأكبر. لم يكن يرى نفسه إلا من خلال عدسة الألم، لم يكن يصدق أنه يمكن أن يكون شخصًا مختلفًا. فكيف يرى النور من لم يعرف إلا الظلام؟ كيف يمشي في طريق جديد وهو لم يثق يومًا أن الطريق ممكن؟ كان كمن يحاول النظر إلى الشمس بعينين اعتادتا على العتمة، حتى أصبح الضوء ذاته مؤلمًا.
قال مايكل سينغر
“إذا كنت ترى نفسك ضحية لأي شيء، فأنت في الحقيقة لا تعرف من أنت. لا أحد يستطيع أن يؤذيك سوى ما في داخلك من أفكار وأحاسيس، ولكن كلما تغلبت على ذلك، تجد نفسك تتنفس بحرية.”
لذلك رأيت ان " عادل" يستطيع الخروج إلى النور..
العنوان لم يكن مجرد جملة، بل حقيقة نفسية عميقة… قصصه لم تنتهِ، لأنه لم يعرف كيف يكتب لها نهاية مختلفة.
رأيي الشخصي
تذكرت كلمات الأبنودي في أغنية مروان خوري “بنلف فى دواير
و الدنيا تلف بينا
دايما بننتهى
لمطرح ما ابتدينا
طيور الفجر
تايهة فى عتمة المدينة
بتدور🎵"
هذه الكلمات تلخص بشكل كبير ما مر به عادل طوال الرواية، فهو كان في دوامة مستمرة من الألم والصدمات التي تتكرر في حياته، دون أن يتمكن من كسر هذه الدائرة.
رغم أن الكاتب يمتلك لغة جيدة وأسلوبًا سلسًا، إلا أن الرواية افتقدت بعض العناصر التي كان يمكن أن تمنحها عمقًا أكبر وتُثري تفاصيلها:
•الشخصيات الجانبية لم تكن مؤثرة بما يكفي. ربما كان ذلك متعمدًا، كون عادل لم يتأثر فعليًا بأحد، لكن ذلك جعل وجودهم يبدو سطحيًا، وكأنهم مجرد خلفية لحكايته.
•بعض الأحداث جاءت عشوائية وغير مرتبة، مما جعل الحبكة تبدو مفككة في بعض الأجزاء.
•وظيفة البارمان كانت فرصة لم تُستغل بالكامل. في البداية، أوحى الكاتب بأن عمل عادل سيحمله الكثير من القصص والتجارب التي تؤثر عليه، لكنه لم يشارك إلا قصة واحدة لم تكن ذات تأثير كبير. كان من الممكن أن يستغل الكاتب هذا الجانب ليعزز من فلسفة الرواية، خاصة أنه يملك قدرة واضحة على تقديم تأملات نفسية عميقة.
أعتقد أن الرواية كانت بحاجة لمزيد من العمق في استكشاف مشاعر عادل وأفكاره، خصوصًا فيما يتعلق بمحاولاته للتشافي. " أو ربما انا من وددت ذلك" ورغم أنه كان هناك بعض الأمل الذي يلوح في الأفق، إلا أن النهاية كانت مختزلة بشكل كبير، مما جعلني أشعر بأن هناك الكثير من الأسئلة التي بقيت بلا إجابة.
ربما لو كان الكاتب قد منحنا مزيدًا من الوقت مع عادل، لكان ذلك قد أضاف ثقلًا أكبر للعمل..
. ورغم بعض النقاط التي شعرت أنها كانت تحتاج إلى تفصيل أعمق، لا يمكن إنكار أن الكاتب يمتلك أسلوبًا سرديًا متقنًا يجذب القارئ بسلاسته وعمقه. يتميز بقدرته على وصف المشاعر بدقة، مما يجعل القارئ يتماهى مع أبطاله. كما أن لديه رؤية فلسفية ونفسية واضحة، تمكنه من الغوص في أعماق النفس البشرية بذكاء.
"فجاء وصف المشاعر شديد الواقعية، كأنه ملموس من الداخل.”
لهذا، سأكون متحمسة لقراءة عمل آخر له، سواء كان جزءًا ثانيًا يرصد رحلة عادل في التشافي، أو عملًا جديدًا يحمل نفس العمق الفلسفي والنفسي.
أقتباسات:
❞ ما زال هناك أشخاص لم تجردهم الحياة بعد من كل إنسانيتهم. ❝
❞ أعتقد أن أجمل ما فينا هو الجزء الذي نخفيه عن الناس. نستحق كبشر أن نعيش كما نريد، لا كما أراد أحدٌ لنا أن نعيش، بشرط أن نتحمل مسؤولية قراراتنا. فمن غير المُنصف أن نُقرر لأنفسنا، ونُحمل الآخرين تبعات هذا القرار. ❝
❞ هل قيمة كونك إنسانًا، وُهبت لك الحياة والعيش في هذا العالم بقرار لم يكن قرارك، يستحق تحمل كل هذه المعاناة؟ ❝
#أحمد_متولي
#قصص_لم_تنتهي_في_فنجان_قهوة_وكتاب
#قصص_لم_تنتهي_بعد