❞ إلى مَنْ تركوا أرضهم..
إلى مَنْ وجدوا الغربة في أوطانهم..
فقرروا أن يبحثوا عن الوطن في مكانٍ آخر
إلى الهاربين من غربتهم باغترابهم..
إلى مَنْ عاشوا عمرهم ضيوفًا يراودهم حُلْم العودة…
فتاهــوا! ❝
-أرى لما اختار الكاتب لهذة الرواية اسم "سراب دجلة" ف أبطالها عاشوا حياتهم يطاردون أحلامهم التي كانت كسراب كلما اقتربوا من تحقيقها وعندما تحققت اكتشفوا أنهم فقدوا الكثير أو ما هو أهم في سبيل تحقيقها.
-الرواية تتناول فترة حرجة في تاريخ مصر والعراق، فترة الثمانينات وأوائل التسعينات.. رأيت مدى التشابه بين الشعبين في المعاناة في الحرب والسلم مع اختلاف الأسباب ولعنت السياسة وسطوة الحكام وكبريائهم الشخصي الذي يزج بشعوبهم إما بين براثن الحرب أو الأسر أو الغربة وحتى في وقت السِلم يتلقفهم شطف العيش وتغير الأحوال حتى ليشعر الإنسان أنه غير مرحب به في وطنه الذي ضحى لأجله بالكثير والكثير.
-تناول الكاتب أحداث كثيرة تعاقبت على البلدين احتلال سيناء وتحريرها وتدهور الحالة الاقتصادية التي دفعت معظم أبناء هذا الجيل للغربة (بدأت أتأكد من أن جيل الثمانينات أكثر جيل مظلوم دفع سنوات حياته لتعويض أخطاء جيل قبله) واحداث أخرى ذكرت على الهامش ولكنها كانت مؤثرة في حياة أبطال الرواية ، وتم ذكر جمال عبد الناصر والنكسة وخداعه لشعبه والتنحي والعودة ووفاته، وفي العراق تم ذكر أحداث مهمة كآثار حرب الخليج على الناس هناك واجتياح العراق للكويت والانقسامات الطائفية والاحزاب السياسية وعودة الجنود ليجدوا المصريين قد أخذوا مكانهم..
(سبحان الله شعبين اتلطموا حرفيا، واحد اتغرب عشان بس أهله يعرفوا يعيشوا عيشة طبيعية وكان بيحاسب على مشاريب مش بتاعته وواحد حارب وشاف أهوال الحرب واتوعد بإنه هايرجع يبقى بطل ومستقبله مضمون وكرامته محفوظة، اتفاجيء بعد رجوعه إنه مالهوش مكان في بلده اللي خسر عشانها عمر بحاله!).
- أحببت شخصيات الرواية كلها بلا استثناء وتعاطفت معهم، فكلهم مظلومين بطريقة او بأخرى..
جيل اختار إنه يحارب المحتل لأجل استرداد أرضه والعيش بكرامة، جيل بسيط أحب وطنه وأحب من يمثله وصدق كل كلماته، آمن بمن يحكمه ودفع الثمن، وجيل شبّ على بطولة أباءهم في الحرب ووعى معني تقديس الأرض ومعنى أن تفديها بروحك ولكن وجد أن الأرض التي يقدسها تلفظه خارجها!
-علاقة الأب والابن كانت علاقة جميلة وقوية بكل ماتحتويه من تناقضات.. أبكتني معاناة صادق في الغربة واشتياقه لأهله ودياره وتردده بين نار العودة ونار تحقيق حلم ليس له.. والأب الذي لا أعرف هل كان حليما أم سلبيا، ربما لو تعامل مع الأمور بطريقة مختلفة لكان مصيرهم أفضل ولكن هذا ما كان يحدث في الواقع، محاولات يائسة لتصحيح أخطاء الماضي بارتكاب أخطاء جديدة.
-الشخصيات النسائية مظلومة كالعادة وأعجبني ان الكاتب أظهر أن مصير النساء يتشابه أينما كانوا، تولد الفتاة وتكبر على القيم والاخلاق ومعها تقديم فروض الولاء والطاعة لتكون الابنة البارة لوالديها ولا تجلب لهم العار، صلصال يتشكل كما يريدون والويل لها إذا فكرت أو أرادت، دائما تعامل على أنها أقل أو ملكية لأحدهم .. رغم إن "عزيزة" كانت مختلفة في صغرها كانت مُدللة من أبيها وأخيها وجدها ولكن عندما كبرت اختلف الأمر، خضعت لقوانين مثيلاتها في القرية تزوجت شخص لم تريده وعندما طُلقت تم وصمها وكأنه قد أصابها الطاعون.. ف النساء هنا لا تجرؤ حتى على اختيار ما تريد ولا أحد يسألها من الأساس.
- النهاية واقعية، ربما ان كانت جاءت قبل أحداث أخرى او بطريقة أخرى لسعدت بها، ولكنها جاءت سعادة مخلوطة بالحزن والتيه.
هناك في رأيي اقتباسات تصف الرواية افضل من أي شيء.. لأني مهما تحدثت وأطلت لن أقدر على وصف مشاعري اتجاه هذة الرواية.. أحببتها وأحببت كل دقيقة قضيتها في قراءتها.. كانت قراءة موفقة بشدة وأصيحت من مفضّلاتي. ❤️
❞ أنا أعرف الحرب وأعرف مأساتها، حتى المنتصر يخسر، رفعتُ رأسي بالنصر منذ سنوات، ثم نكَّستها حتى لا يرى دموعي أحد على فراق أخي وأعز أصدقائي، ذهبنا معًا وعدت وحيدًا منتصرًا أمام الجميع، وخاسرًا أمام قلبي، ما خسرتُه في الحرب يا ولدي وما خسرتُه بسببها وبعد نهايتها لم يستطع النصر أن يعوضني عنه. ❝
❞ تحمَّل تَبِعات الحرب، رحل عندما كان للجنيه قيمته، وعندما عاد كان لزامًا عليه أن يرضخ إلى كلمات السادات بينما يطلب من الناس أن تشد الحزام حتى تتعافى البلد، وأن يصدق وعوده بأن الخير قادم مع الانفتاح الاقتصادي، فصبر حتى ملَّ ولم يجد ما وعد به حقًّا. ❝
❞ ولكنها الغربة، ولكنه الطريق الذي اختاره ولن يستطيع التوقف أو العودة بعد أن اجتاز نصف المسافة.
يعلم أنه في منتصف الطريق يختلف كل شيء، نظل نبحث عن شعاع ضوء يهدينا إلى الصواب حتى ولو لاح لنا كسراب بعيد، نتحسَّس الطريق إليه يدفعنا أمل لا نعلم هل هو كاذب أم صادق، ولكننا لا نمتلك رفاهية الوقوف للتفكير فيما قد نواجه أثناء رحلتنا، نُعجِّل بالوصول لنكتشف مصيرنا هناك فلا فارق في المواجهة. ❝
❞ تسخر منهم الحياة وهي تعلمهم درس الكنز الموجود في الرحلة، ولكن كنز الرحلة لن يغنيَهم ولن يحقق أحلامهم التي تركوا بلادهم من أجلها، فتشترك الملامح كلها في نظرات الفَقْد والضحكات التائهة التي تحاول الوصول إلى لحظة حقيقية من السعادة، ولكن السعادة لا يمكن تحقيقها بالزيف فتنكسر عيونهم تحت عبوس الحاجبين، سيماهم على وجوههم، تربطهم جميعًا ملامح التِّيه. ❝
❞ دومًا تمضي الحياة لا يُوقفها ولا يعطلها فقدان حكاية أو ألم لرواية لم تكتمل أو اكتملت بنهاية سيئة، تتخطى الحياة كل العقبات وتستمر.. ❝
❞ الحياة يا وليدي تمضي في اتجاه واحد كطريق نسلكه ولا نملك أن نعود فيه للخلف للتعديل، لأننا لن نكتشف أننا نسير في الاتجاه الخطأ إلا بعد أن نضلَّ فيه.
في الأيام الماضية كنت أجلسُ وحيدًا على المصطبة أفكِّر وأتدبَّر الأمر ثم أبرر لنفسي بأن نيَّتي كانت خيرًا.
ولكني لن أستطيع أن أخدع نفسي أو أخدعكم أكثر من ذلك..
بُعدك ليس خيرًا..
وحدتك في الغربة ليست خيرًا..
نظرات الفَقْد في عيون أمك ليست خيرًا..
برودة أيام عزيزة ليست خيرًا..
لم أجد الخير يا صادق.. ❝
❞ عدتُ إلى سريري أتأملهم بينما لا زلت ورغم مرور كل تلك السنوات، أنتشي بنسمات الهواء المتسللة عبر باب الغرفة المكسور محملةً برائحة الطين ونسيم البرسيم الذي يدفعه هواء البحر، أُنكر الماضي وأفكر في المستقبل مُحاولًا الوصول لإجابة سؤال يدور في رأسي منذ عودتي، سؤال عن ذاك الضوء الذي لا زلتُ أراه في نهاية الطريق. ❝