خبز على طاولة الخال ميلاد > مراجعات رواية خبز على طاولة الخال ميلاد > مراجعة محمد حسن المرزوقي

خبز على طاولة الخال ميلاد - محمد النعاس
تحميل الكتاب

خبز على طاولة الخال ميلاد

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

كان هنالك اعتقاد شائع بأن الانتحار فعل محايد جندريًا، بمعنى أن الرجال والنساء يقدمون على الانتحار بمعدلات متساوية أو متقاربة. ولكن في الواقع وبحسب الإحصاءات فإن عدد الرجال الذين ينتحرون أكبر بكثير من النساء، صحيح أن النساء يحاولن الإنتحار بشكل أكبر، ولكن عدد الرجال الذين ينجحون في ذلك أكبر من عدد النساء. بعبارة أخرى .. الانتحار الناجح، بحسب الإحصائيات، هو فعل ذكوري بحت.

لا أعرف إن كان محمد النعاس قد اطلع على هذه المعلومة وهو يكتب الرواية، فمحاولات بطل الرواية الفاشلة في الانتحار تعزز من الصورة التي رسمها النعاس للبطل باعتباره "ناقص الرجولة" وفقًا لمفاهيم وتقاليد المجتمع الريفي الذي ينتمي له، وفشله في الانتحار لم يكن سوى حلقة من سلسلة محاولاته الفاشلة ليصبح "رجًلا" حقيقيًا.

ميلاد، وهو شخصية غريبة لا أظن بأنني صادفت مثلها في الرواية العربية، رجل يعاني من "الاغتراب" الحادّ، إن صح التعبير، وهذا النوع يتجاوز مستوى "الاغتراب" الهويّاتي الذي كان يعيشه عيسى بطل رواية "ساق البامبو" بسبب انتمائه إلى هويتين لا يشعر بأنه ينتمي إلى أي منهما بشكل كامل على سبيل المثال، وهو أكبر كذلك من "الاغتراب" الوجودي لبطل رواية "الحالة الحرجة للمدعو كاف" الذي كان يشعر بالغربة المكانية/الزمانية وهو محاط بالآخرين. الاغتراب الذي كان يشعر به "ميلاد" هو اغتراب خارجي عن المجتمع واغتراب داخلي عن ذاته نفسها.

هنالك أمران يمكن أن يقوم بهما شخص يعاني من هذا النوع من الاغتراب؟

الأول أن ينتحر وهو ما حاول "ميلاد" القيام به ثلاث مرات .. وفشل.

الثاني أن يحاول .. أن ينتمي إلى مجتمعه من خلال قمع ذاته أو إعادة تشكيلها لتصبح متلائمة مع قيم وعادات وأعراف المجتمع. كان "ميلاد" واعيًا بأنه مختلف عمن حوله من الرجال، فقد كان على عكس جميع الرجال في الرواية مرهفًا، رقيقًا، ناعمًا، يتصرف كالنساء، ويجد متعته في مجالستهن ومشاركتهن أعمالهن .. بل والقيام بها إن لزم الأمر. على العكس من "ميلاد" كان ابن عمه "العبسي" رجلاً مكتمل الذكورة، في مظهره ولغته وتصرفاته .. خصوصًا مع النساء، وإليه لجأ "ميلاد" ليتعلم على يديه كيف يصبح رجلاً، أو "فحلاً" بحسب تعبير العبسي الذي كانت لديه قدرة لا يُحسد عليها لتحويل كل شيء في الحياة إلى مادة للجنس.

تكللت محاولات العبسي في نهاية المطاف بالنجاح، فقد تمكن من إعادة تشكيل عجينة "ميلاد"، وطبخه على نار هادئة، حتى تحول إلى شخصية ذكورية ناضجة كما ظهر في المشهد الأخير في الرواية، والذي وإن كان يبدو دراماتيكيا ومبالغًا فيه بعض الشيء، إلا أنه يواجه نفاق المجتمعات الشرقية بجرأة، وكأن النعاس يحاول أن يقول من خلال النهاية بأن المجتمع الذي لم يتسامح مع شخصية "ميلاد" الذي كان يلعب على امتداد الرواية دور "جوز الستً" سيكون أكثر تسامحًا مع شخصية "ميلاد" الذي يروض زوجته حتى لو انتهى به الأمر إلى سفك دمها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق