كُل شيءٍ من حولنا يحمل الحكايات.. كُل شيء قابل لأن يكون ضيفاً في حكاية أو بطلاً لها أو شاهِداً عليها وعلي أحداثها.. لكن في المجموعة القصصية خاصّة حديثنا فالحكايات لا تُروي فقط.. وإنما تُحمَل علي بساط الريح وتُرفَعُ إلي درجة كبيرة من العُلُو فلا يصِل إليها النمط العادي من الحكاية.. ولا تَصِل هيّ إلي مُبتغاها سريعاً بغير دورانٍ عنيفٍ مقصود في چو السماء والأرض..
تناثرت أحداث القرية بين أخوين الطفل الذي سيتكلم ثم يصمت في زمن الكلام و الرجل الذي تكلم ثُم صمت.. ثُم تداعت الحكايات تتلوا بعضها بعضاً وإن كانت تُروي علي شفا الروائح والحروف والأصوات المجهولة لأُناس ليس لهم من الحضور إلا صِفة تجعلنا نعرفهم..
من أميّز أبواب المجموعة هو فصل الذي يحب أن يسأل..
إذ أن مُبارزتة الفلسفية مع الرجل الذي تكلم ثُم صمت لم تكُن قِطعة كلامية فقط.. وإنما كانت معزوفة صوفية وترنيمة روحانية يتباري فيها ضِدان شرسان يظن كل منهما أنه سيهزم الآخر بما يمتلكه من قوام.. انتهت المُبارزة بالصمت.. لكنّها في رأيي حُسِمَت لذاك الذي يهوي الحياة والحُب والتعلُّق.. وإنما خُلِقَت الحياة لكي نحياها ونُقبل عليها ونهوي جمال موجوداتها..
تأتي بعد ذلك حيرة الرجل مع النساء.. ذاك الذي كُلما داعبت هواه امرأه مال إليها واقترن بها حتيٰ وصل إلي مُنتهاه معها.. وبعد فترة يظهر له منها ما يدفعه لهجرها وتركها.. في القصة أسباب، دوافع لهذا الهجر .. لكنّ الرجل الذي تُروي عنه الحكاية أحسّ بعد فترة أنها لعنته هو.. وليست لعنة النساء التي أصابته بما استحسن فيهنّ.. كل شيء قابل للتغيير والترك والرحيل.. والمُحبب إليك الآن يُمكن تركه غداً لأنك انتهيت منه.. ولأن حال الدنيا مُتغير لا يدوم..
الريح لم تستثني أحداً من الحضور في حكايات هذه القرية.. ولكنها استثنت الطريقة التقليدية للرواية وتبدلت بطريقة مُغايرة ومُختلفة جمعت بين الحِسّ الصوفي والفلسفة العميقة لرؤية الحال وفهم الأشياء.. لِذا تبدوا تلك المجموعة مُميزة ومُختلفة..