الريح لا تستثني أحداً
عائشة مختار
منشورات حياة
2024
122
⭐️⭐️⭐️⭐️
■ القرية البائسة بنسوةٍ مُشوَّهاتٍ، ورجال رجولتهم رَخْوة، دون مواليد جُدُد، اندثرتْ ببطء تحت رمال الصحراء. إلّا أنَّ بدويًّا مُرتحِلًا بربابة في يده، وبقلبه الصلب سيُصْغِي إلى رمل الصحراء في بعضِ الليالي الحزينة، وسيسْتَمِع إلى ما حدث وكان، وإلى ما سيحدث وسيكون.
في جو من الفانتازيا الخالصة تصحبنا الكاتبة لقصة ذات طابع نفسي تثير الكثير من التساؤلات وتوضح العديد من الحقائق تدور حول الحياة بشكل عام والمغزى منها وعليه كل منا سيرى المتوالية القصصية بعين خياله ذلك أن الإسقاطات بداخله تتبع التأويل ولكل منا واقعه المختلف عن غيره حتى وإن تشابهت المأساة في المجمل.
تبدأ القصة من هناك حيث القرية النائية وذلك الغريب الذي ينبئهم بهبوب الريح التي ستأكل وجوههم ليظل التساؤل بينهم حتى تهب الريح التي تفقدهم ذاكرتهم وتتركهم عرايا مذهولين ويؤثر الجميع الصمت بعدها حتى تهب تلك الرائحة الغريبة التي لا يشمها سوى الرجال والتي كانت إيذاناً بمرور تسعة أشهر وموعد ميلاد كل من الرجل الذي يحب التجوال والذي سيتكلم ثم يصمت وبهذا الميلاد ستبدأ النبؤة في التحقق فهل سيصمد أحد أمام تلك الرياح العاتية أم أنها لن تستثني أحداً.
يتناول العمل الكثير من الأحداث والشخصيات ولكن الابرز منهم هم ثلاث تناولهم العمل بشيء من التفصيل وكلما توغلنا في قصصهم ظهر الرابط بينهم جلي واضح لنكتشف ان كل منهم كان ضحية لتلك القرية الملعونة دون ان تقترف يداه أي ذنب كلهم ولد على الفطرة غير انهم ملعونين بالسؤال والبحث والتجريب حتى تتضح لهم الحقيقة فينصاعو لمصيرهم المقدر .
ناقش العمل الكثير من القضايا والمشاعر ما بين حب برئ وفقد مؤلم وشعور بالغربة والنبذ وتساؤل فلسفي بحت حول مفهوم الإستغناء هل هو استلام وجبن أم زهد ومعرفة بالواقع كما ناقش الشعور بالأمل وكذا الشعور باليأس والكثير من طاقة الإنتقام بعدما حيكت المكائد ونُفذت.
في رأيي الغرض الأساسي من العمل إيضاح أن لكل شيء ثمن فالسعادة لها ثمن مدفوع مقدما ولا تأتي وحدها أبداً وعلى الفرد منا إدراك ذلك جيداً حتى يمكنه التعايش مع ذلك الواقع أضف إلى ذلك حقيقة ثانية وهي أن الحقيقة لا بد أن تظهر مهما فات من وقت فالحقائق لا تطمسها السنون .
كُتب العمل بلغة شاعرية عذبة غلب فيها السرد على الحوار كما امتازت الكاتبة بالقدرة على توصيل المشاعر ببضع كلمات منتقاة بعناية ومن أكثر القصص التي لامستني قصة العجوز التي رأت الحقيقة وقصة السيدة التي نبت الشوك في قلبها لما ناقشتاه من فلسفة الموت وأثر النبذ والإهمال على الأطفال ومردوده الذي لا يزول.
أحببت العمل وانصح بقراءته كما انوي قراءته مرة أخرى لتكتمل الفائدة.
■إقتباسات:
● «المُترادفات كلهن لن تغنيَ عن المعنى البِكر، والكلمات الصادقة تتغذى على دماء قائلها كالعلق، والكلام ما نَفْعُه؟.. وليست القصص سوى إلهاء عن الحقيقة. الوجع لن ينتهي إلّا بالبتر، وكلُّ شيء، كلُّ شيء قابل للبتر».
● كلُّ المُحبين يقعون في فخِّ اليقين، والحقيقة ألّا يقين في المستقبل. كلُّ الكلمات الواثقة ستلعنُنا ما إنْ نَنْطِقُها، ستقيّدنا وستصبح الحياة مُتعلِّقة بها، وإذا كثرت الوعود مِن هذا النوع فقد نُصدِّقُها، وحين نصدِّقُها سنمتزج معًا فلا نعود نعرِف أنفسنا.
● مُتلعثمةً، بدأتْ تحكي لطفلتها ذات العينين البُنيّتين حكايةً جديدةً، بيد أنَّها حين اقتربتْ مِن النهاية تلعثمتْ أكثر، يُخبِرها حَدْسُها أنَّ أهمَّ ما في القصص نهايتُها، وابنتها تنتظر، والنهايات ليستْ كالبدايات، النهايات خَطِرَة.
● وعرفتْ ألّا حرية أمام الموت، وألّا شيءَ مستثنَى منه، حتى أكثر المخلوقات حرية.