من يتابع نهى فعلاً سيدرك أنها في هذا الكتاب خففت فصاحة أسلوبها ومستواها اللغوي المتفوق لتستطيع الكتابة بلغة مفهومة لجميع القراء وهذا شيء تشكر عليه فأنا في منشوراتها الالكترونية كنت أحياناً اضطر لقراءات عدة لفهم المكتوب لشدة فصاحته وسبكه المتقن وصوره البلاغية وبالرغم من تبسيطها لأسلوبها فما زال يعتبر موسيقى فنية لغوية بكل جوانبه فنهى كما قالت عن نفسها في كتابها❞ أقول بأنّي أملك جينات لا تتطابق مع واقعي، ولا أستطيع أن أكون شيئاً متّسقاً مع نفسه والعالم:آلة تحبّ الشِّعر! ❝
بدايةً آلمتني القصة الأولى (جبيرة) فقد عشت شخصياً تجربة الجلوس في المطبخ لاتقاء الرصاص في أيام الاشتباكات ولسوء حظ الإناث أنني وقتها كنت أعاني من آلام وشعور بالإقياء ولكن على عكس القصة كان الحمام في الجهة الثانية من المنزل يفصل بينه وبين المطبخ ( أرض الديار) المفتوحة على السماء والرصاص وبسبب اضطراري لاستخدام الحمام وزيادة وتيرة إطلاق النار اضطررت للبقاء في الحمام لساعات ربما لهذا تركت الكتاب لأيام بعد أول قصة فقد عاد لي ذاك اليوم بكل تفاصيله وكأن فوارغ الرصاص المرمية على المسافة الفاصلة بين أهلي في المطبخ وأنا في الحمام كانت مرمية أمامي بعد نهاية القصة .
قصة أبو كمشة انتهت بالنسبة لي عندما كنت انتظر المزيد لمعرفته فلم تشبع فضولي أو بحثي عن الحدث الفريد الذي سيصنع نقلة في القصة بينما عوضتني قصة (كافور )وقصة (نزح الماء) وقصة(مكب الأنقاض)وأعطتني هذه النقلة وكأنها صفعة لفضولي الذي أراد أن يتغذى بآلام الآخرين .
ممتنة للقصة التي عرفتني على نهى التي في عقل نهى كثيراً (حجراً إن شئت!) وبالنسبة لي ليس هناك قصة تستحق أن تروى قبل قصةالكاتب نفسه فمن لايعرف كيف يروي لك حياته قصةفلن يعرف كيف يروي قصصاً من خياله ..
رمزية قصة (جسد الفراشة) ذكية وملهمة في رسالتها ودقتها..
أما ( وقت تالف) فأعتذر بأنها أتلفتني ولم افهمها ربما لأنني لم أقرأ لبورخيس سوى اقتباسات على الانترنت ولم أتعمق بحياة المعري..
أود الاعتراف بأنني عندما قرأت عنوان قصة (الجوبي) ركض عقلي لرقصة في منطقة الجزيرة تسمى الجوبي 😅 وبعد أن عرفت أنها أسماك قمت ببحث عنها فأدركت أنها نوع مشهور من أسماك الزينة لم أكن أعرفها سابقاً وانبهرت حقاً بجمالها وطريقة تكاثرها! والقصة أيضاً جميلة كهذه الأسماك المميزة التي كانت بطلةً لها.
أما سلسلة ( طابع مجهود حربي) فكان الطابع الرابع هو الأقرب لقلبي بينها كلها رغم أن الأول كان يرضي خيالي بشكل كبير .
في النهاية شكراً لنهى وسرياليتها وحزنها البارد أحياناً والغاضب أحياناً أخرى في هذا الكتاب فقد أعادني للقراءة بعد سنوات من تركها وهنا أبرر أن مرونتي في القراءة تراجعت فربما هذا ماجعلني لا افهم بعض التفاصيل وأفوت جماليتها أما الاقتباسات التي سأشاركها فهي كثيرة لكن لا لوم عليَّ بل اللوم على شاعرية اللغة لدى نهى 😁
الاقتباسات:
❞ أمّا أنا، فأدرك كيف يُغيّرنا هذا (الخارج) الذي نعيشه دون قصدٍ منّا؛ إنّه يجفّف ماء اليقين فينا خبراً بعد خبر. ❝
❞ أمّي… هل تصير الأشياء لنا بمجرّد أن نشبهها؟ ❝
❞ عند مقارنة عدد السّكان بالقمامة المُستخرجة ستتيقّن أنَّ النّاس لا يفعلون شيئاً سوى خلق النفايات. ❝
❞ ماذا أفعل بهذا القدر من الظلام واللا شيء؟ ❝
❞ بإمكان العالم أن يكون قصيدةً في مكانٍ آخر… ليس هنا اليوم على الأقل. ❝
❞ من القسوة أن يستدلّ الظلام على حدادنا السِّريّ، فيخرجه من كلّ صوبٍ ليكون هو الآخر درباً مخصّصاً للبكاء. ❝
❞ أعيش أعوامي فارغةً من البيت، والعائلة، والأصدقاء، والعطلة الأسبوعيّة، والأرصفة، والمساجد، والدّفء، وازدحام الأيَّام بالضّحك، أو التّجارب.
لست بغيضة، ولكنْ استيقظت ذات حربٍ ولم أجد نفسي. ❝
❞ أنا أعتقد أنَّ للجينات أثراً في كوننا من شعرٍ، أو صخر، ثمَّ تجيء أحوالنا في البيت وخارجه لتفرض علينا طبيعةً أُخرى، ونظلّ الوقت كلّه نحاول استعادة ذاك الشّيء الأصيل فينا.
ربّما كنت مشروع قصيدةٍ في مكانٍ ما. ❝
❞ راكدة حيال عالمٍ يغلي بالتفاصيل. ❝
❞ لكن ماذا لو كنت نبتاً مغايراً؟ ❝
❞ بدا لي أنّ «الكليجة» أشهى من فكرة الخلود! ❝
❞ النَّوارس تُقاتل؛ وكلُّ ما في الأمر مزق طعام. ❝
❞ تنزع حزام الجلد من بنطال زوجها، وتنهال به عليَّ. لقد كانت تحميني من الأذى… بالأذى! ❝
❞ شعرت بأنّي طفلة أفلتت حظّها، إلى الأبد. ❝
❞ لا يمكن أن يكون هذا الحزن كلّه لي وحدي! ❝
❞ لكلّ منّا أسلوبه في تنسيق حوض الزّهور، والملابس، والطّعام، والحبّ، والموت،
ولله أسلوبه كذلك الّذي لا يأخذ فيه تفضيلاتنا على محمل الجدّ». ❝
❞ لا يمكنني مواجهة هذا الإفراط في الأسى في هذا العالم بدون «خوفك عليّ؛ الخوف الوحيد الّذي كنتَ تمتدحه».
عزيزي، نحن لا نرغب إلّا فيما نحتاج إليه، وأنا أرغب بغزارة الوحشة أن نكون هنا الآن على ما نريد. ❝
❞ يهمّنا من الحزن كلّه أن نحتفظ بالحكاية كاملة، وأن تبقى إلى «الأبد» ذلك الّذي لا نعرف وسعه. ❝