اسم الرواية: سكولا
اسم الكاتب: محمد حسين أبو زيد
دار النشر: دار ريشة
سنة النشر: 2024
نوع القراءة: أبجد
نوع الرواية: ديستوبيا
عدد الصفحات: 562
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️
تاريخ القراءة: 17/1/2025
عندما يتملك الحقد والغل من البشر فإنه يعمي الأبصار، ويملأ قلوبهم بالشر وليس هنك فرق إن كان هذا الحقد الغل والغل ناتج عن شئ حقيقي أم هو نتيجة أوهام وتخيلات في عقل صاحبها بدون أي سبب مطلق، فالنتيجة واحدة في كل الأوقات..
ملحمة أدبية من العيار الثقيل..
وجدت صعوبة شديدة في الاندماج مع الرواية في بداية القراءة بسبب اللغة العامية بمصطلحاتها المنتمية لتلك الحقبة الزمنية التي اختار الكاتب أن يسرد أحداث رواياته بها، ثم ما إن قطعت أول خمسين صفحة حتى وجدتني أندمج بشكل كبير في أداثها ولم يعد عائق اللغة موجودًا بل أصفحت قراءتي سلسة وأسمع أحاديثها تتردد في أذني بنفس لهجتها..
ظننت أنها رواية أجيال متتابعة خاصة مع تركيز النبذة الموجودة على أبجد على تلك النقطة ووجود خريطة لشخصيات الرواية، ومن فترة قريبة ليست بالقصيرة كان لي تجربة مع مثل هذا النوع من الروايات ووجدت صعوبة في استكمالها وتيهًا بين سطورها وشخصيتاها فأجلت قراءتها لوقت آخر، جال هذا الخاطر بداخلي مع صعوبة اللغة علي في صفحاتها الأولى وكدت أتخذ مثل هذا القرار مع سكولا أيضًا ولكنني تمكنت من الاستكمال وعدم الإذعان إلى هذه الخاطرة..
بدءً من اسم الرواية والذي لم يتضح مفهومه ومقصد الكاتب به إلى مع تخطى ربع الرواية، وإن كان اللفظ ذاته مفهوم إذا ما نسبناه إلى اللغة الإنجليزية، التركيز في غلاف الرواية يوحي بذلك والذي لم أنتبه له إلا لحظة كتابتي لهذه السطور..
إلى الغلاف الذي ما زال مبهم بالنسبة لي، ويصل بي إلى نقطة أخرى تصيبني بالحيرة الشديدة من هو بطل الرواية هل هو شديد كما حاول الكاتب أن يوصل الأمر لنا على مدار ربع أحداث الرواية التي تركز على شديد وفقط، وتتناول جوانب حياته وشخصيته ودوافعه ومشاعره الداخلية وانعكاسها على علاقاته مع كل من حوله من أهله وجيرانه وأصدقائه، ولكن الغلاف لا يوحي بذلك فشديد مع بداية الرواية التي تناولت فترة شبابه ولم تتطرق إلى طفولته إلا في مقاطع خاطفة كذكريات دارت في خاطره محاولة إثارة الحقد والغل الذي تربي بداخله تجاه أخيه الأصغر، فليس شديد البطل ولن يكون إنه إبراهيم لما تناوله من دور ثانوي، إنما هو حتمًا ولابد أن يكون إياد وهذا الاحتمال الأرجح ولعل الكاتب يثبت صدق هذا الاحتمال من عدمه..
تفاصيل الغلاف جميلة ودقيقة ومعبره، يظهر فيه ذالك الشخص والذي أرجح أن يكون إياد في حالة من التكبر والزهو بالنفس مرتكزًا بكفيه على كتفي صديقين من أصدقائه بالمدرسة وكأنه يعلن إحكام سيطرته وكونه المهيمن على المكان..
تبدأ الرواية كما ذكرت مركزة كل انتباه الكاتب على شديد أو بدرجة أدق على ذاك الحقد والغل الذي تربى في نفسه وتغلل في أعماق قلبه منذ نعومة أظافره ضد أخوته، وبالأخص أخيه الأصغر سعيد، الدكتور الذي سعى بكل جهده ليقنعه بالسفر للعمل بالخارج ليتثنى له انتزاع كل ما لديه والذي في ظنه هو حقه في ورث أبيه، ولم يتطرق الكاتب لما حدث له وهل عاد إلى بلده وأسرته مرة أخرى أم لا، ويظهر كذلك في حنقه وغضبه لكونه الوحيد الذي التحق بالجيش فيسعى بكل جهده ليمنع تكرار هذا الأمر مع ابنه حارمًا زوجته الثانية من أن تعيش شعور الأمومة التي فطرت عليه مع طفل ولدته من أحشائها، منطلقًا إلى مقصده الأهم من الرواية وهو ال سكولا..
تبدأ أحداث الرواية في اتخاذ منعطفات أخرى بمجرد التحاق ابنه إبراهيم بالمدرسة، والتي يسعى من خلال اختيارها لابنه في استكمال عقدة النقص لديه فهو يريده أن يتعلم ليصبح دكتور كعمه وليحقق ما لم يستطع تحقيقه..
تركز الرواية بشكل كبير على العلاقات الأسرية، وأثر التربية وكيف أن إيثار أحد الأبناء على الآخر في موقف ما ولو هو بسيط في نظرهم قد يترتب عليه نمو الحقد والغل بداخل النفوس ويظل يكبر ويترعرع بداخلها حتى يتمكن منها، ليس ذلك فقط بل أيضًا مبدأ تربية الابن ليكن الشخص الذي لم تستطع أن تكونه أنت في حياتك، وكذلك أثر فقدان أحد الأبوين وفقدان هنا لا تعني بالضرورة موت أحدهما بل صدمة الطفل في أحدهما وانقطاع التواصل معه، يعد من صور الفقدان حتى لو كان يتواجد معه بشكل جسدي ولكن يتكون نفسيًا الكثير من الجدران بينهما...
يبدأ هذا الجزء من الرواية بتعريف عن كل شخصية من الشخصيات المرافقة لإبراهيم في فصله بالسكولا، والذي أعتبره فكرة غير موفقة من الكاتب، ولعل الدخول في سياق الأحداث وتناول كل شخصية بالتفصيل عند ذكرها هو الأفضل والأحسن، منعًا للتيه والحيرة وتداخل المعلومات معًا والذي أصابنب عن القراءة..
ثم يبدأ في التعمق في الأحداث بلقاء أولياء الأمور سويًا الذي في ظاهره هو لمحاولة التعارف وتكوين جو من الالفة بين الطلبة وأولياء الأمور تحت مظلة الاحتفال بالسنة الجديدة، ولكنه في الحقيقة كان لمحاولة إيصال كم الاختلاف والتنوع في الشخصيات والمبادئ والتوجهات الاقتصادية والسيا/سية التي تتناولها الرواية، فنجد الأفكار تتلقف من شخصية للأخرى، هذا مؤيد وهذا معارض، وتستمر الأحداث حتى نصل إلى البطل الرئيسي في الرواية والذي يملك كل الخيوط ويصل إلى كل الخيوط أيضًا ويتلاعب بالشخصيات بكل نكمن وحكمة رغم صغر سنه ( إياد )..
إياد شخصية مفتقدة لحنان الأم، بعد صدمة تعرض لها، ليعيش حياته وحيدًا تحت مظلة مملكة والده، يركز الكاتب ما تبقى من الرواية عن إياد وشخصيته ونقاط قوته ونقاط ضعفه، وذكائه ونباهته، وقدرته على تسيير الأمور والأحداث كما يريد لخدمة مصالحه..
تتناول الرواية العديد من الاسقاطات السيا/سية على أحداث تلك الفترة الزمنية التي تتعدي الثلاثين عامًا، ذاكرة كل العلاقات التي قد تخطر على بالك فيما يتعلق بتلك الفترة..
كما تدين تدان، يقولون أن الدنيا قاسية، واتفق في ذلك ولكنها عادلة تتيح الفرصة للمظلوم لأخذ حقه ممن ظلمه، يظهر ذلك بشكل واضح مع لولا، في خسارتها لما تملكه من عمل وابنة..
تفيض الرواية بفيض من المشاعر من كره وحقد وغل و انتقام وذل و خذلان يجمعها شئ وا أن أغلبها مشاعر سلبية...
أحداث الرواية وإن أوحت في مواقف قليلة كونها غير مترابطة لصعوبة اللغة، إلا أن جميع الخيوط تبدأ في الترابط مع نهايتها، كذلك هناك تفصيل صغيرة ذكرت على استحياء فيما يتعلق بشخصية شديد ولم يتم التعرض لها ثانية حين ذكر على لسان صابر أخيه، ( أنه خطف أخوه وولع في أمه ) عليها الكثير من علامات الاستفهام..
محاولة شديد لاجبارإبراهيم على الإمضاء على وصلات أمانة بكل ما صرفه عليه لتربيته وتعليمه يذكرني بمشهد في مسلسل (ديبو) والذي تم عرضه العام الماضي عندما كان والده يحاسبه على كل ما يصرفه عليه، في بداية الأمر أخذت الفكرة بسخرية ثم بعد أن ذكرت في الرواية وتردد على خلايا عقلي للمرة الثانية في مدة قصيرة لا تتجاوز عدة أشهر، تمعنت بها ماذا من الممكن أن يكون الدافع لمثل هذا التصرف من الأب؟
بخل وتقتير وهو الاحتمال الأرجح بشكل كبير مع شخصية شديد التي تتسم بالكثير من البخل العاطفي ويظهر ذلك بشكل واضح في إطرائه على إياد ونبذه لابنه إبراهيم وكأنه لا يراه، هو بالفعل لا يراه لأنه لم يصل إلى الصورة التخيلية الكاملة التي رسمها له في عقله، كما لمحت قبل ذلك لم يصبح الشخص الذي تمنى أن يكونه، إذًا فما هو سوى خيبة أمل وما أشد ذلك من شعور..
يثيرني سؤال في هذه النقطة لماذا يتعامل البشر وخاصة في بلدنا الحبيبة مع مبدأ الإنجاب كونه سنة من سنن الحياة دون أدنى ذرة تفكير أو روية في هل سيستطيع الاعتناء بهذا الابن جيدًا أم لا ؟ على الرغم من التطور الفكرى والمعرفي في زمننا الحاضر عن أحداث الرواية ما زال هذا التفكير سائد
إن كنت لن تصرف عليه كل غالي ونفيس بدون مقابل فلا تأتي به من البداية..
ما أسؤأ الحب حين يعلم به المحبوب والذي لا يكنه بداخله بنفس المقدار، ربما ليس السوء في الحب إنما السوء في البشر، ما أسوأ البشر حين يتيقن أحدهم من ممكنون دواخل غيره من حب أو اهتمام أو تقدير، فيزهد فيه ولا يضعه حيث قدره، حين يشعر الإنسان بالأمان لوجود شئ بشكل دائم وشئ هنا تشمل المشاعر والأشخاص والأشياء، هو دائم لن يذهب ولن ينتهي فيبخسه حقه، كما فعل شديد عنذ زواجه بآسيا وسلبه حقها في أن تكون أمًا..
تشعر آسيا بالحنان على إياد الذي فقد أمه وتراه كابنًا لها كما إبراهيم ابن زوجها ولكن استقبال إياد لهذه المشاعر كان بصورة مختلفة تمامًا عما أرادت إيصالها له، إنه ذلك الجوع الذي يجعلك تحاول إشباعه بأى قدر من الاهتمام حتى لو كان في غير موضعه..
ما أشد الاختلاف بيننا كبشر في الاستجابة للمواقف والأفعال؟
ما أشد صعوبة التخلي عن شعور الامتلاء أو الشبع بعد الفراغ أو الجوع ؟
رواية جميلة جدًا جدًا وحازت على إعجابي بشدة ولولا صعوبة اللغة في البداية وبعض الأحداث المبهمة ذات النهايات المفتوحة وبعض الملل الذي أصابني أثناء قراءتها لاستحقت الخمس نجوم بامتياز
عمل رائع أرشحه وبشدة للقراءة
#سكولا_في_فنجان_قهوة_وكتاب
#مسابقات_فنجان_قهوة_وكتاب
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب