وادي الفراشات > مراجعات رواية وادي الفراشات > مراجعة شريف مصطفى

وادي الفراشات - أزهر جرجيس
تحميل الكتاب

وادي الفراشات

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"وادي الفراشات.. هروب الأحياء من حقيقة الموت جريمة يدفع ثمنها الأرواح البريئة"

ميلاد وجود البشر لا يمكن تأريخه بالتحديد، ولا تاريخ الوجود نفسه، البشرلا ينشغلون بالخفي ويدفنون رؤوسهم في صراعات الحياة خشيًة من جحيم متاهات التفكير، إلى أن تُدفن أجسادهم ويعودون للعدم مثلما كانوا.

هنا حكاية مرهقة، تمسّ كل إنسان تعب من المجهول، لا ينال تكريمًا مقابل مجهوده، ولا إجابة شافية لتساؤلاته التي لا تنتهي.

على أرض "بغداد" نعيش حكاية "عزيز"، إنسان سعى إلى الحياة، فكانت الحقائق حاجزًا أمامه في كل خطوة، بدايتها حقيقة الفقر، الفقر الذي نشأ به، لا ذنب له فيه، الفقر الذي منعه من أن ينعم بحياة مستقرة كغيره.

بداخل "عزيز" وبداخل كل إنسان إيمان للمحاولة، هذا الإيمان كثيرًا ما يفوق الكفر شرًا؛ فهو مدخل لعذاب لا تنقطع شروره، لذا لم ييأس "عزيز"، وتسلّح بخداع الأمل، فأحب الفنون والأدب من مكتبة خاله "جبران"، وتجاوز هذا الحب نبوغه في التعليم، فسلك طريقًا للفن باحثًا عما خُفي في الحياة من جمال.

وأثناء دراسته ظل يأمل وأحب زميلته "تمارا" وطمع في الزواج منها رغم قلة نصيبه من ممتلكات، وعجزه الذي لا يُسأل عن جذوره.

عقبات، وصعود، وخراب، ونجاح، وانتكاس، كل ذلك نعيشه مع "عزيز"، ففي هذا النص الروائي المتماسك نلاحظ إيقاع سريع للأحداث، ربما أحيانًا كذلك يكون متسرعًا، فنتنقل من أزمة "عزيز" المادية، إلى محاولاته مع صديقه "مهند" لكسب الرزق بوسائل شرعية وغير شرعية، إلى دخول السجن مرات، وزواج من "تمارا"، فشعرت أني صرت حي داخل "عزيز" وربما هذا ما خلق للنص تأثيره القوي؛ فكل ما رآه رأيته رأي العين وشعرت به.

تتابع هذا الزخم من الأحداث، والصراعات، كان من الممكن أن يصدّ القارئ، أو يشتت انتباهه، لكن أنقذ ذلك سرد روائي قوي، يدرك تحولات الشخصيات والأحداث، ويقدّم بلغة مناسبة حكاية "عزيز" التي صارت حكايتي من معايشتي ليويمياته وأفكاره.

ما زاد من ارتباطي كقارئ بشخصية وأفكار "عزيز" هو تفضيل الروائي للحكي على لسانه، الأمر الذي جعل تبادل البصيرة بينه وبين القارئ أمر حتمي، خاصة أن الأحداث تم سردها باحترافية شديدة، وتأثير عميق، تلمس الوجدان، وتحاول مشاركة إيمانه بالأمل الكاذب.

بتجاوز تقريبًا ثلثي الرواية فنحن أمام نص ممتع، متّسق، لكن لم تظهر شخصية النص الحقيقية في رأيي إلا في الثلث الأخير، وبداية أبوة "عزيز" أو أبوة الإنسان.

من هو ابن "عزيز"؟ هل له الحق أن يعيش له ولد؟ وهل من حقه أن يكون أبًا والفقر لحق به وزوجته وعاشا معًا حياة غاية في الهم والعسر؟

كل هذه التساؤلات مهدت لمشاهد مبتكرة، فجاء مشهد الرواية الذي نقلها نقلة استثنائية، مع شخصية غاية في الابتكار والجمال هي شخصية "النقاش"، الذي جاء كأنه رسول، أو مخلص، أو منذر، وصحب "عزيز" إلى مكان غيّر كل مفاهيمه، مكان حيث يفكر المرء في الغاية من وجوده، وكان "وادي الفراشات" هو نقطة فاصلة في بناء النص.

ما قصة هذ الوادي؟ وجد "عزيز" نفسه محاطًا بأشياء لم يستوعبها عقله، لكنه أُجبر على التفكير فيها، من أجل ذاته، ومن أجل مسؤوليته تجاه شعوره بالأبوة، في "وادي الفراشات" حكايات أضافت تساؤلات لكل ما واجهه "عزيز" مع خاله، وداخل السجون، ومع "النقاش"، متذكّرًا قول مارك توين الذي جاء مناسبًا وبديعًا داخل النص: "كنت ميتًا قبل أن أولد لمليارات السنين، ولم أشعر بأدنى قدر من الانزعاج".

الحروب، والانهيار، والخراب، كلها ترتبط بنهاية دول، أو موت البشر، لكن هناك موت من نوع آخر، موت قد يلغي فكرة صلاح الوجود، بل يلغي الوجود ذاته، موت تصارع مع رغبة الحفاظ على الحياة والهوية بشكل فاق إدراك العقل في "وادي الفراشات"، وربما هناك الكثير من فراشات أخرى حولنا، تنتظر أن تطير بحريّة بلا خوف من أحكام، أو قيود، أو عُرف، وبلا خوف من "وادي الفراشات".

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق