ميورا: حكاية ديستوبية متقنة، اصطحبتني كقارئة في رحلة تأملية مفعمة بالمشاعر والأسئلة الوجودية. بين صفحاتها، هناك عالم غريب يجمع بين التقدم الظاهري والانحلال الإنساني. إنه عالم يتجرد فيه البشر من إنسانيتهم تحت شعارات الرقي والعدالة، حيث تُحظر المشاعر، وتُمنع الفنون، ويُجرّم التفكير، لينحدر الوجود إلى حالة من الجفاف العاطفي والاغتراب الروحي.
تكمن عبقرية الرواية في قدرتها على جعل القارئ يعيش التناقضات التي تواجه الشخصيات. فبين قيود الحاضر وخوف المجهول، تنكشف هشاشة العالم المثالي وتبرز الأسئلة الأعمق: هل يمكن للإنسان أن يزدهر بلا حرية؟ وهل يمكن لحياة بلا معنى أن تُعاش؟ الرواية تسلط الضوء على هذه القضايا بأسلوب فلسفي عميق، حيث تُظهر كيف يتحول الإنسان إلى سجينٍ لنظام يحرمه من أبسط حقوقه: التفكير والحلم.
الشخصيات تُرسم بواقعية مؤلمة؛ كل منها يحمل عبئه الخاص، لتبدو قريبة من القارئ رغم غرابة العالم الذي تتحرك فيه.
الرواية تتلاعب بالرمزية بذكاء، حيث تستحضر قصة فرانكنشتاين كتشبيه لمعاناة البشر الذين يجدون أنفسهم عالقين في عالم لم يختاروه.وفي النهاية، تقدم الرواية رؤية صادمة عن الحياة بمثابة دعوة للتأمل في واقعنا، في اختياراتنا، وفي قدرتنا على مواجهة القيود التي تُفرض علينا، سواء كانت مرئية أم خفية.
اقتباساتي من الرواية:
"- تأمل في الطبيعة يا نور، وانظر إلى كل أشكال الحياة فيها، ستجد كل الكائنات غير المدركة تتبع غرائزها واحتياجاتها، تمارس الحيوانات المفترسة فيها القتل لافتراس طرائدها، إنها غريزة البقاء، تأكل لتعيش، على الأغلب لن تجد أنواعًا أخرى تُذكر من القتل في الحياة البرية، بينما ما أطلقت عليهم لتوك لقب أصحاب الآدمية، يمتلكون أنواعًا لا حصر لها من القتل وسفك الدماء، في حروب تدفعها المصالح، وغزوات تدفعها الأطماع، وثأر يدفعه الغضب، وإبادة تدفعها الكراهية، واضطهاد يدفعه الاختلاف العرقي والمذهبي والطائفي… في الواقع، الحيوانات لم ترتكب يومًا ما أي شيء مما ارتكبه الآدميون من وحشية يا نور.
"لا أبغي من الحياة سوى رحيق يجعلني حيًا، لكنني مسجون في واقع جميل، لطيف، امتلك كل وسائل الحياة، دون أن أجد حياتي…"
"حتى وإن كان السجن وردة بديعة، فالنحلة خُلقت لتطير!"
لا تبالي يا زميلي، فقط تقبّل حقيقتك، لم نخلق إلا لتروى حكاياتنا، في روايات… بلا نهايات سعيدة!"
"ربما كان أكثر ما كنت أحتاجه هو اقترابه، عدم استسلامه، تمسكه بي رغم بعدي عنه، لكنه كان أكثر عقلانية مما تريده امرأة من حبيبها…"
كان أكثر حرصًا على مشاعري، وأكثر تقبلًا لصمتي، وأكثر حماقة من انتزاع قلب من يحبها انتزاعًا