حكاية ثلاث نساء على وشك اتخاذ خطوة استثنائية من شأنها أن تغير الكثير من الأمور ولكن هل ستتغير الأمور للأسوأ أم للأفضل؟
تبدأ الرواية في عام 1960 في مدينة جاكسون، مسيسيبي. تتحدث عن العنصرية ضد السود خاصة ماتواجهنه عاملات المنزل السود من ربات البيوت البيض في هذة الفترة في الجنوب الأمريكي.. تم ذكر بعض الأحداث السياسية وشخصيات ناشطة مشهورة كمارتن لوثر وحوادث اغتيال وقتل غير مبرر لمجرد اختلاف لون البشرة.
-أعجبني أن الرواية تتكلم من وجهة نظر نسائية سواء كنت أتفق أم أختلف معها.. الشخصيات الثلاث الرئيسية هم عاملتي المنزل "أيبيلين" و "ميني" والشابة البيضاء "يوجينيا أو سكيتر"..
- الشخصيات في الرواية هنا لم تكن عنصرية فقط تجاه السود بل ستجد أن مجتمع البيض نفسه يمارس عنصرية ضد بعضه.. تم وضع معايير متخلفة باعتبارها قوانين وتم تبنيها من قِبل ربات المنازل لترسيخها في المجتمع وفي أذهان أطفالهن وهذا في رأيي يوضح دور ربات البيوت ومدى تأثيره لأني أعتقد أنه لولا عدم وجود شخصيات مثل هيلي داخل كل مجتمع عنصري لما تأصلت العنصرية داخل هذة المجتمعات.
- الرواية ليست ذات أحداث خاطفة للنفس أو مشوقة ولكنها تحتوي على الكثير من المواقف والمشاعر التي تجعلك تكملها لآخر كلمة خاصة في الجزء الأخير منها..
شخصية أيبيلين هي بالنسبة لي الأفضل على الإطلاق.. وأعتقد أنه لولاها لما تم تغيير أي شيء.. أينعم سكيتر كانت من بدأ بطرح سؤال "ألم تفكري قط في تغيير الأمور" ولكن أيبيلين هي من بدأت الحكاية وهي من جازفت بعملها بل وبحياتها وهي من زرعت الفكرة في نفوس باقي الخادمات إلى أن جاء حادث اغتيال شخصية ناشطة مهمة تتكلم عن الحقوق المدنية وقبلها اتهام إحدى الخادمات بالسرقة وسجنها أربع سنوات في حين أن العقوبة العادية ٦ أشهر! فكان الحدثان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير..
_أيبلين مربية أطفال قبل أن تكون عاملة منزل وهي بارعة في ذلك.. ذكية وتحب القراءة والكتابة وتحب جميع أطفالها.. أعجبتني علاقتها مع مو موبلي جدًا.. كانت لطيفة وعطوفة و مُعلمة ومربية لها.. كانت أم وصديقة مفضلة ومحل ثقة للطفلة أكثر من أمها الحقيقية..
شخصية أم مو موبلي في رأيي بتمثل ازدواحية معايير هذا المجتمع في حين أنها كانت تلتزم بحضور حفلات خيرية لجمع تبرعات للاطفال الفقراء في" أفريقيا ".. إلا أنها كانت أم مهملة لا تعير ابنتها أي اهتمام يذكر ودائمة الانتقاد لطفلة لم يتجاوز عمرها ٣ سنوات.. وطبعًا عنصريتها تجاه أيبلين.
- الشخصية المفضلة الأخرى هي "ميني" 😃.. أعجبتني جرأتها وصلابتها الظاهرة في التعامل وعدم قبولها الإهانة قدر المستطاع وفي نفس الوقت هشاشتها ومشاعرها الرقيقة وحبها لأطفالها ولاصدقاءها وأيبيلين خاصة ، كانت تواجه بالقدر الذي لا يودي بحياتها.. طباخة ماهرة مشهورة بكعكة الكراميل، كانت خادمة والدة هيلي ورفضت العمل لدى هيلي ومن هنا بدأت العداوة بينهما.. هيلي شخصية مسيطرة مهووسة ترفع من شأن نفسها بالتقليل من شأن الآخرين أيا كانوا ولكنها مؤثرة في من حولها من النساء بل ومسيطرة عليهم .. تقرر ما يفعلوا وما لا يفعلوا ف بالتالي هي مسيطرة على بيوت البلدة كلها تقريبا..
ولكن "ميني" تحدتها ورفضت طلبها فوضعتها هيلي في قائمتها السوداء.
"ميني" يحالفها الحظ وقليل من الحيلة وتعمل لدى سيليا فوت.. تتفاجأ ميني بأن الآنسة سيليا ليست كباقي النساء البيض في البلدة فهي تلقي عليها التحية وتخبرها أنها سعيدة لرؤيتها وتجلس معها على طاولة واحدة وتأكل معها.. وهذا يجعل ميني تراها مجنونة ولا تثق بها في باديء الأمر حتى تحدث معهم مواقف وأشياء تعرفنا لمَ سيليا لطيفة وهشة إلى هذا الحد فيلين قلب ميني لها شيئا ف شيئا حتى وتنشأ بينهم صداقة من نوع ما محببة إلى القلب.
-أما سكيتر فكانت تمثل الجانب الإنساني في الشخصية الأمريكية.. شابة أنهت دراستها الجامعية وخضعت لقوانين مجتمعية لا تريدها.. ماذا ترتدي وكيف ترتديه.. الشكل ومعاييره ما يجوز و مالا يجوز والكثير من القيود.. إلا أن حلمها كان أن تصبح كاتبة وليست أي كاتبة كانت تريد الكتابة عن مواضيع مؤثرة.. وكان المساعد الأول لها في تحقيق حلمها هي أيبيلين.
علاقتها مع مربيتها كونستنتين كانت جميلة.. توتر علاقتها بأمها والخلافات بينهم كان يبين الاختلافات بين الأجيال .. اختلاف فكرها عن السائد في مجتمعها وكرهها لما تراه من ممارسات جائرة ضد عاملات المنزل هو ما دفعها لكتابة شهادة الخادمات في السر لتجمعها في كتاب يقرأه الجميع.. أعجبتني حماستها وسعيها للتغير وكونها ذات ضمير حي، ترى الخطأ وتميزه وتحاول منعه او تغييره قدر استطاعتها.
اعتقد ان هذة الشخصية وجدت لتحقيق التوازن عند القارئ وحتى لا تكون الرواية هجومية بحتة ضد البيض ولنفي سياسة التعميم.
-في المجمل الرواية مؤثرة.. الظلم والتفرقة العنصرية والاستغلال والهجومية لمجرد أن اللون يختلف ووضع مبررات غبية ومتخلفة لكل هذا في رداء من التحضر والتعطّف! كان شيئا يثير الغيظ...
لكن على الجانب الآخر كان هناك التعاطف والأمومة والصداقة والحب الصادق والوفاء والرغبة في التغيير والتحدي والمقاومة والإصرار والكثير من المعاني الجميلة وبالأخص البدايات الجديدة جاءت كشعور مُنعش..
الرواية بلورت فكرة التغيير ومدى صعوبته وحجم التنازلات والمخاطر المُتضمنة وأيضًا فكرة أنه مهما أحدث التغيير من تأثير سيظل هناك أشخاص هم منبع الشر والأذى لا يتغيروا أبدا مثل هيلي.
أعجبتني كلمة الكاتبة في النهاية وأرضت فضولي حول معرفة إذا كانت القصة حقيقية أم لا.
اقتباسات :
❞ القبح موجود في داخلنا. القبح هو أن نكون أشخاصاً حقيرين نتسبب بالألم للآخرين.❝
❞ أردتُ الصراخ بصوت مرتفع كي تسمعني طفلتي أقول إن البشرة الملوّنة لا تُعتبر قذارة، وإن ناحية المدينة التي يقيم فيها الزنوج غير موبوءة. لقد أردت إيقاف موعد حلول تلك اللحظة التي تحلّ في حياة كل طفل أبيض البشرة عندما يبدأون بالتفكير في أن ملوَّني البشرة هم أدنى مستوى من ذوي البشرة البيضاء. ❝
❞ فهززت رأسي لصديقتي. "هناك حدود وتعلمين جيداً على غراري أين رُسمت".
وهزّت آيبيلين رأسها. "كنت أعتقد بوجودها، ولكنني توقفت عن ذلك. هي موجودة في رؤوسنا. فالأشخاص كالآنسة هيلي يحاولون حملنا باستمرار على الاعتقاد أنها موجودة، ولكنها ليست كذلك".
"أعلم أنها موجودة لأنك تتعرّضين للمعاقبة إذا قمتِ بتخطّيها". قلت. "كما هي حالي على الأقل".
"يظن الكثيرون أنك إذا أجبتِ زوجك بفظاظة، تكونين قد تخطيتِ الحدود، مما يبرّر تعرّضك للعقوبة. هل تعتقدين حقاً بوجود تلك الحدود؟".
فنظرتُ إلى الطاولة مقطّبة الجبين "تعرفين أنني لم أكن أفكّر مليّاً في هذه الحدود" "لأنها غير موجودة إلا في عقل ليروي والحدود بين ذوي البشرة الملونة وذوي البشرة البيضاء غير موجودة أيضاً لقد اخترعها بعض الأشخاص منذ زمن بعيد وقام البيض التافهون وسيدات المجتمع أيضا بتبنيها. ❝
❞ "يقولون إن عاملة المنزل الجيدة هي أشبه بالحب الحقيقي. لا تحصلين عليه إلا مرة واحدة في الحياة". ❝