ميكرفون كاتم صوت
الكاتب/ محمد طرزي (لبناني)
عدد الصفحات/ 290صفحة
دار النشر / الدار العربية للعلوم ناشرون،
نُشر في مارس 2023.
ميكرفون كاتم صوت هي الرواية الحائزة على جائزتي كتارا القطرية، وجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية 2024.
رأى محمد طرزي الأشياء بكامل وضوحها دون أي التباس واستلهم فكرة روايته من وضع بلاده ومن قصة الشاب الذي أخبرنا عنه في نهاية روايته من خلال الشيء الذي انهى حياته لانه رأى أن لا شيء في بلاده ينفع ، فخط سيرته المتخيلة في سطور هذه الرواية.
تبدأ الحكاية مع سلطان الفقير ابن ناعي الموتى للمدينة التي يعيش فيها " مدينة صور " كان يسكن بيتا للوقف في المقبرة مع عائلته، يحلُم بالهرب من هذه المدينة وظل خائفاً أن يخرج من هذه المقبرة إلا ميتاً. يتعرف على وداد من نادي القراءة وتنشأ بينهم علاقة صداقة قوية أقرب إلى الحب في نظر سلطان، تساعده في كثير من الأمور وخاصة سفره وخروجه من البلاد ، فتمنى أن يكون خروجه من المقبرة (لبنان) بمثابة خروج فعلي إلى الحياة أي الحياة الطبيعية التي لم يعيشها ويعرفها.
يأخذنا الكاتب إلى بيروت حيث البلد التي لم نتصور انها بهذا الخراب، فهو يرصد الواقع اللبناني من فساد وتعدد المذاهب والطوائف بالاضاقة إلى البطل الذي أراده أن يكون على شاكلة أي مواطن لبناني يسعى لاقتناص الحياة بين الأحياء رغم انه يعيش مع الأموات في مقبرة.
الرواية كانت عبارة عن توليفة لأبرز القضايا التي عانى منها اللبناني بوجه خاص، والوسط العربي بوجه عام وهي كالتالي:
ـ قضية الهجرة: معاناة المهاجرين وغدر المهربين بهم ، وموتهم في عرض البحر، فقال: ( لا أحد يضيع أبناءه في قارب إلا إذا كان البحر أكثر أماناً من الوطن).
ـ انتشار الميكرفونات: بعدما كان الميكرفون له وظيفة معينة ،فصار كاتماً للعديد من الأصوات وفرض ما يمليه عليه صاحب الأمر لإذاعته لترويع الآمنين، فالمدينة أصبحت محاصرة بالميكروفونات فوق أعمدة المباني في كل لحظة يسمع المواطن الأوامر والنواهي عبر هذه المكبرات، فضلاً أنه اختار الكاتب سيارة النعي بميكروفوناتها الضخمة المزعجة لتنقل أخبار الموتى ونعيهم، رمز بانشغال سيارة النعي في كل وقت لكثرة الموت في هذه البلاد ( الموت بالوباءـ الموت بعرض البحر بسبب الهجرة - الموت من مُثيري الشغب، الموت من الانفجارات، والموت لأجل الموت).
ـ ثورة 17تشرين وكيف تم تكميم الأفواه والتصدي لهذا الحراك وتحكم الطائفية وأعوانها.
ـ تفجير مرفأ بيروت 4آب وكيف أن نصف المدينة أصبح خراباً من دمار وضحايا كُثر منهم كانت وداد حبيبة وصديقة سلطان بطل الرواية.
ـ الانهيار الاقتصادي " المالي" وأزمة البنوك التي لطالما شاهدناها على شاشات التلفاز بكل نشرات الأخبار في تلك الفترة والتي كانت تنذر البلاد بأنها ستسقط في الهاوية، هذا فضلاً عن تفشي الكثير من المشكلات التي تندرج تحت هذا الأمر من قلة المواد الخام ونقص الأدوية وتفشي البطالة وانتشار الجريمة...الخ.
ـ التحولات الواضحة في الرواية والتي أراد أن يُظهرها الكاتب بوضوح عائلة أبي عباس والد لوركا وكيف أصبحوا بعد التحولات الفكرية والأيدلوجية الجديدة على الساحة بعدما تبدل المناخ السياسي في تلك الفترة ، ( لوركا أصبح اسمه الحركي ساجد) ، ( تحول من عازف للأكورديون إلى منشد ديني)، (ووالدته وأخته غيداء بعدما كانوا يواكبون الموضة والتحرر إلى اللباس الديني المحتشم فأصبحوا زاهدين في الحياة).
غرابة الانسان وتحولاته ( تاجر ثري يسرق باللاشعور ، ايفونا تخون خطيبها رغم مثاليته ، حسن ينسب مصائب الناس اليه من أجل المال ، وداد تخذل من أحبها من أجل نظرة المجتمع).
ـ روايتين ذكرهما الكاتب في هذه الرواية هما الرواية التي أراد أن يكتب عنها سلطان بطل الرواية عن فخر الدين والتي يستلهم فيها ماضي لبنان وحاضره، والرواية الثانية هي في انتظار البرابرة والتي أراد سلطان أن يحكي فيها عن قصة دولة متخيلة توهم فيها الحكومة المواطنين بأن هناك برابرة يحاصرونهم.
ـ تحدث عن القراءة والكتب وأندية القراءة لما فيها من أهمية.
ـ الحب الذي حال بين الفقير سلطان وبين وداد التي من الطبقة الأرستقراطية ، ونظرة المجتمع التي تبنتها وداد للابتعاد عن سلطان وزواجها ممن هو بمستواها.
ـ التمرد : استقلالية القاضي وعدم امتثاله لأوامر مرؤسيه ( محاكمة حسين بالبراءة لما نُسب إليه) .
تغيير صيغة النعي المطلوبة من موظف الجمعية بعدما مارس سلطان العمل فيها كان بمثابة تمرد على الزعيم والمختار.
تمزيق سلطان لصورة الزعيم الموجودة في المقبرة، ووقوف والده في النهاية بصفه جعلهم يخسرون بيتهم لتمردهم على المختار.
السرد / الرواية مُحكمة بلغةٍ وأسلوب أدبي وسردي مُتقن مُتحدث فيها عن الحرب والموت، الهجرة ، الانهيار المالي ، والجوع، والحصار والخضوع...الخ، تكمن قوة السرد عند طرزي هو أن يكتب بكل طلاقة وفصاحة عن مكان عاش فيه وشاهد بأم عينه هذه التحولات والأحداث فنقلها بكل شفافية ووضوح معبراً عنها بكلمات قوية تلامس قلب كل من يقرأ هذا العمل، كما ويُسهب في وصف مشاهد بُكائية وطقوس ووجع المـوت الذي أصبح شيئاً عادياً ، فالكتابة الأدبية في الحرب أو عن الحرب أو في وقت النزاعات هي الوجه الآخر للصورة الصحافية .
الغلاف : بساطة تصميم هذا الكتاب هو عامل أساسي في لفت وجذب انتباه القراء، فصورة (الميكرفون) كانها حية تتحرك ونسمع صداها ،فهي اختزال بصري ملون يعكس فكرة وفحوى الكتاب .
ميكرفون كاتم صوت، هو أول عمل أدبي يُعرفني على قلم محمد طرزي، قرأتُ هذه الرواية بصوتي المسموع لأنها لامست قلبي، قضيت وقتاً ممتعاً في قرائتها، غير أن الجميل فيها أن الكاتب أبقى على البصمة اللبنانية داخل روايته ( اللهجة اللبنانية ) .
الاقتباسات :
ـ مدينتي مقبرة كبيرة يحكمها مذياعٌ للموت، ما أكثر مكبراتها، وما أضعف فيها الصوت.
ـ معظم الأشياء تبدو جميلة بالنظر إليها عن بعد حتى وإن كانت مكاناً موحشاً كوطنه.
ـ بما أن الزمن يمحو الذكريات السيئة بقدر ما يُضخم الذكريات الجميلة، وهي خدعة لولاها لتوقفنا عن حب الأوطان.
ـ لم يخسر كل شيء بعد، فما دام يملك صوته، فهو يملك كل شيء.