"أحيانًا يغدو التخلص من الكتب أصعب من الحصول عليها، إذ تنتسب إلينا عبر معاهدة قوامها العوز والنسيان، كأنها شهود على إحدى لحظات حياتنا التي لن نعود إليها، لكننا نظل نحسبها جزءًا منا."
تحذرنا رواية "بيت الورق" من إدمان شراء الكتب، حتى يُصبح التخلص منها عملاً مستحيلاً، فمن خلال الترابط الذي ينشأ بنا وبين الكتب التي نُحبها وحتى تلك التي لا نُحبها، يُصبح التخلص من الكتب أمراً مستحيلاً لما يحمله من عاطفة، ذلك الترابط الذي خُلق من خلال عملية القراءة فكما نعلم الكتب التي نحبها كثيرة. هناك رابط يجمع بيننا وبين كتبنا أقوى من رابطة الدم، أو هكذا أدعي، أتذكر أول مرة خسرت كتباً وضاعت مني في غياهب الماضي وكانت سلسلة هاري بوتر بأجزاءها، أتذكر أنني يومها لم أستطع النوم محاولاً تذكر أين ضاعت وكيف ذهبت فجأة في جب سحري واختفت؟ ولم أشعر بنفسي إلى وأنا أذهب في اليوم التالي إلى محافظة أخرى لكي اشتري الأجزاء كاملة دون تردد ودون مراعاة الأزمة المالية التي ستضعني فيها حتى الشهر القادم، ومنذ ذلك الوقت، أحرص وبشدة على كتبي، وأخاف عليها من الضياع، وكأنني تعلمت درساً قاسياً لا أنساه، ولكن مع مرور الوقت، يظل ذلك السؤال يلح علي كهاجس مُقلق؛ أين ستضع كل هذه الكتب؟ كيف ستوفر لها المساحة وخصوصاً وأن شراهة شراء الكتب لا تتوقف، ربما قلت بعض الشيء لاعتبارات مادية، ولكنها لا تتوقف، فأصبحت كتبي مُقسمة على 4 بيوت، بين قارتين.
"قد نفضل أن نفقد خاتمًا أو ساعة أو مظلة، على فقدان كتاب لن نقرأ صفحاته مرة ثانية، لأن هذا الصفحات تحتفظ بين طياتها وفي الصدى الجهوري لعنوانها، بإحساس قديم، وربما ضائع لكن في النهاية، حجم المكتبة فعلًا مهم، ولهذا يعرض المرء تحت أعذار واهية كتبه كأنها مخ كبير مفتوح."
وقد يدفعك تساؤلاً مُلحاً وفي محله، عن: لماذا أسهبت في الحديث عن كتبي المتناثرة؟ وأجيبك بأن السبب هو هذه الرواية القصيرة، التي فتحت دروباً من المواضيع الأدبية تُثير الذهن، وتطرح تساؤلات من خلال أحداثها العجيبة، المجنونة، فمنذ أول سطور الرواية وأنت ترى بلوما تصدمها السيارة وهي تقرأ أشعار إيميلي ديكنسون، فتفهم أنك على موعد مع رواية ستثير شجنك، وستنثر سحرها بلا توقف، حكاية يتخللها الكثير من الكتب، والأدب، ومواضيع هامشية لم نكن نظن أننا سنحب القراءة عنها، ولكن، وللعجب وجدتها ظريفة، أصابني هاجس الخوف من حشرات الكتب وأن تطال كتبي المتناثرة، وأعجبني طريقة إطالة إعداد كوب القهوة لكي يتأمل الضيوف مكتبتك وكيف تعبت فيها، ولكني تذكرت اعتراف "بلال فضل" بأنه كان يختلس كتباً من المكتبات أثناء إنشغال أصحابها عنها، فطردت الفكرة فوراً بلا رجعة، إذا كنت سأغيب عن المكتبة لأي سبب، فليأتي الضيف معي، أو لأضع كاميرات مراقبة!
ختاماً..
لكي لا أطيل أكثر عن ذلك، هذه رواية جميلة ولطيفة، ودعنا لا نُغفل سلاسة ترجمة "محمد الفولي"، بكل تأكيد سُتثير شجنك حول كتبك والهوس الذي يجعلنا نتعلق بها، هوس يجعلنا نضعها كأولوية مهما تثاقلت أعباءها المادية، هذه رواية تُبرر وجود المكتبات المنزلية، تشجعنا على إقتناء الكتب، وتحذرنا منه في نفس الوقت، فأنت لا تعرف أبداً متى ستتوقف عن شراء الكتب، وهل يصل بك جنون الكتب إلى بناء منزل منها لتكون بداخل الكتب حرفياً؟
ولكن هذه حكاية أخرى.