كنت أعتقد بدايةً أن الكتاب رواية ولكن اتضح أنها ثلاث قصص طويلة مزلزلة في واقعيتها السوداء حتى لتكاد تشعر أنك قفصك الصدري يطبق على أنفاسك بعد قراءتها. قيمت العمل بخمس نجوم نظراً للعمق النفسي والإنساني الذي حفر فيه عبر الثلاث القصص، والأسئلة الوجودية الشائكة التي يثيرها! الأبطال جميعم يوحد بينهم القدر الأسود الذي يفغر فاهه ليلتهمهم ويبدون جميعا وكأن نداهة تسحبهم سحباً إلى مصائرهم المظلمة حيث يفقدون أنفسهم وينحدرون إلى ظلمة اغتراب حالك السواد يدفعون فيه ضريبة باهظة لا ناقة لهم فيها ولاجمل، ينجرفون إليها انجرافا لا فكاك منه؛ حيثما يلوح لهم هناك في البعيد سراب حلم بحياة كريمة وعيش رغيد، فلا يحصدون إلا الحصرم والتيه والاغتراب! عارف الشاب المراهق الذي دفع أجمل سنوات عمره في السجن لجريمة لم يرتكبها ، أو فايز حنا الشاب القبطي الذي دفع حياته ثمناً لفساد الكبار والطائفية المقيتة والطمع والجشع البشري، أو اسماعيل وخطيبته عائدة اللذين لبسا جسدا الأسدين وثوبهما في حديقة الحيوان ليغطيا على فساد المدير الذي أدى إلى موت الأسدين الحقيقين وتورط الخطيبين في قضية شائكة، لم يكن لهما يد فيها اللهم إلا ذلك الحلم البسيط العويص بأن يمتلكا مكاناً يلم شملهما!. يحضر الفساد المالي والإداري والسياسي كأحد أهم عناصر القصص الثلاثة، فالواقع الاجتماعي والاقتصادي المزري ليس إلا نتيجة لذلك الفساد والذي لا يترك لأبطال القصص مجالاً لاختيار حقيقي بقدر ماهو تسيير إلى حيث تقودهم أقدارهم، وهنا يرتفع سؤال هل الإنسان مخير أم مسير ؟ سؤال الموت والنهاية والذي يولد من رحم سؤال المعنى والرسالة في الحياة يرتفع بقوة خلال القصص كلها .. كما يبدو أثر الخلفية الثقافية للكاتب المتعلقة بالقانون والمحاكم والقضايا واضحاً جلياً في القصص، فقد أجاد كثيرا في استثمارها في عملية السرد.
هذه المرة الأولى التي اقرأ فيها لأشرف العشماوي، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة فهو قلم يستحق أن يُقرأ ويُتابع !
أمل زاهد