سدهارتا > مراجعات رواية سدهارتا > مراجعة Rudina K Yasin

سدهارتا - هرمان هيسه, ممدوح عدوان
تحميل الكتاب

سدهارتا

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رقم مائة وخمسة عشر /2024

سيد هارتا Siddhartha

هيرمان هسه

تطبيق ابجد

(كانت هناك شجرة على ضفة النهر، شجرة جوز هند. اتكأ سهارتا عليها، ولف ذراعه حول جذعها ثم تطلع إلى المياه المخضرة التي تتدفق تحته. تطلع إلى الأسفل وملأته رغبة في أن يرخي نفسه ليغرق في الماء. فالفراغ الرهيب في الماء كان يعكس فراغاً مرعباً في روحه نعم. كان في نهايته، إذ لم يعد هناك شيء قد تبقى إلا ظان يزيل نفسه. هذا هو العمل الذي كان يتوق للقيام به، أن يدمر الصيغة التي كان يكرها. فلتلتهم الأسماك قلب سهارتا هذا هذا المعتوه، هذا الجسد الفاسد المهترئ تلك الروح البليدة المستهلكة، فلتلتهمه الأسماك والتسامح ولتمزقه الشياطين إرباً. )

معظم الناس يا كمالا يشبهون أوراقاً متساقطة، أوراقاً ترف وتلف في مهب الريح، فتهوي مترنحة إلى الأرض.

لكن آخرين قليلين، يشبهون النجوم، يسيرون في مسار ثابت، لا تسمهم الرياح، وفي ذواتهم لهم ناموسهم ومسارهم

سيدارتا غواما أو بوذا هو الوحيد بين مؤسسي الديانات الكبرى المتبعة إلى اليوم، الذي لم يختبر حالة غيبية، بل بنى تعاليمه وفق تجاربه الخاصة، وبعد سنوات طويلة من التفكير والتأمل

في سنّ مبكرة رأى سهارتا أن عليه الخروج مما رُسم له. لم يقنعه أن يتبع خطى أبيه الثري والمنتمي إلى سلالة مؤمني البراهمة. اجتذبته حياة السامانية، حيث يقضي السالك حياته متسوّلا ومتنقلا على غير هدى بثيابه البالية الممزقّة. وقد تبعه في ذلك صديقه جوفينا، الدائب على التمثّل به حتى بات مثل ظلّه. عاش الصديقان تجربتهما السامانية معا لمدة سنتين كانا في أثناها يشعران بسعادة انتمائهما لها. لكنهما لم يلبثا أن غادراها بعد التقائهما بالبوذا جوتاما، الجليل والمهيب والممتلئ حكمة. لكن سهارتا، دون صديقه جوفندا، لم يشأ البقاء هناك، في خياره ذاك. فما كان يبحث عنه لا تقدّمه التعاليم، بل التجربة، الحياتية والروحية. ما كان يبحث عنه هو معنى الأنا وجوهرها، «لغز أنني أحيا، وأنني منفصل ومختلف عن الآخرين» وهذا ما لا يتحقّق بالتعاليم التي ترى البشر سلالة واحدة.

جوفيندا بقي هناك إذن، ملازما لجوتاما ومرتديا الثياب التي يشترك في ارتدائها التابعون الآخرون. ولم يعد الصديقان الفتيّان إلى الالتقاء إلا وقد بلغا أعمارا متقدّمة راحا فيها يتداولان في حصيلة ما توصّل إليه كل منهما. في ذلك اللقاء بدا أن الصديق الذي كان ظلا لصديقه في البداية، ظلّ تابعا له في آخر العمر. ذاك أن سعيه كان قد توقّف في مرحلة ما من البحث عن ذاته، أما سدهاراتا فاستمر قلقُه في التساؤل عن معنى وجوده. فها هو، بعد تعرّفه على التاجر الثري كام سوامي، يتبع خطاه في التجارة والثراء. لم يوقف سهارتا شيء مما كان يعتنقه من قبل. بعد تعرّفه على كام سوامي يُفتتن بالغانية «كمالا» الجميلة والثرية من العائد الذي يأتيها من مهنتها. سَحَره جمالُها وانسياب شعرها وعيناها الغاويتان وفمها الشبيه بحبّة تين مشقوقة. ولم يتأخر في الإقامة في بيتها والنوم في سريرها ومطارحتها الغرام.

هنا أيضا، مع كاملا، شعر سهارتا بأنه وصل إلى آخر المطاف مع قلقه، متخلّيا عن ميزاته السابقة، تلك التي باح لحبيبته بها، وهي: «الصوم، والانتظار، والتفكير». أما الآن، في مرحلة العشق هذه، فراح يطيع ما تتطلب رغبات جسده وحواسّه. مع معشوقه عاد عن كل ما كان تنقل بينه في سعيه الديني، أو الفلسفي لإدراك معنى «أناة». معها صار يرى إلى ما كان يعتقد عن الغرائزَ البسيطة الحمقاء، هي قوية للغاية، حيوية للغاية، وليست مجرد أفعال صبيانية. وها هو يقرّ بأن فيض المعرفة أعاقه، وكذلك الآيات المقدسة وطقوس القرابين، وكذا أعاقته الصرامة في إماتة الجسد، وكذلك أعاقه شعوره بأنه يسبق الآخرين جميعهم بخطوة التطلع إلى ما بعد.

تلك التجارب الكثيرة التي مرّ بها ساد هارتا، لم تكن تُذمّ الواحدة منها عند العبور إلى الأخرى. في أيام حياته الأخيرة بدا ساد هارتا راضيا عن كلّ ما مرّ به وممتنّا له.

لكنه لن يلبث أن يعود عن ذلك مغادرا كاملا والثراء الذي خسره بالمقامرة والتبذير. وهو أدار ظهره للمدينة تاركا فيها ابنا له سوف تلده كاملا التي، شأنه هو دون أحد سواه بين من عرفهم، رغبت في أن تتحوّل عما هي فيه لتصير ناسكة متخلية عن كل ما كان لها. إنها الشخصية الوحيدة في الرواية التي تنتقل متحولة إلى خيار آخر. صديقه جوفنا لبث عند خياره الأول، أي عند خيار ساد هارتا الأول طالما أن جوفنا تبعه إلى ذلك كالظل. التاجر الثري كام سوامي بقي تاجرا كما كان، دون أن تستدرجه الغاويات إلى المغالاة في اتّباعها. كلّ يلبث في الرواية حيث هو، باستثناء ذلك الانتقال الواحد الذي قامت به كاملا. أما ساد هارتا فأراد كاتبه هرمان هسّه أن يطوّفه بين التجارب جميعها ليكون بطله قد اختبر كل أشكال التجارب وأنواعها. وكان على الروائي هسّه أن يُطيل حياته، وكذلك حياة الآخرين، حتى إلى ما بعد الشيخوخة، وذلك لكي تتسع الحياة لكل ما يمكن أن يتاح من تجارب. كاملا وحده أماتها المرض وهي في عمر مبكّر، ما جعلها، إضافة إلى تحولها عما كائنته، شخصية درامية في رواية تميل إلى استبعاد المأساة.

أما آخر انتقالات ساد هارتا فتمثل في لقائه الثاني مع المراكبي الذي كان نقله في فترة سبقت إلى الضفة الأخرى من النهر، لينضم هناك، مع ظلّه جوفنا إلى جماعة السامانية. وقد أقام مع المراكبي في كوخه إلى جوار النهر الذي تحوّل إلى أن يكون ملهم العجوزين. «المياه تتدفق وتتدفّق، وتتدفّق دائما، ومع ذلك فهي دائما هنا، ولا تتغيّر، ومع ذلك هي جديدة في كل لحظة». وهذا النقاء المتجدّد يعد العجوزين بأن دورة الحياة مستمرّة من بعدهما. مثالهما على ذلك يدلّ إليه ابن ساد هارتا من كاملا، واسمه ساد هارتا أيضا (ربما يعني ذلك أن الابن يكمل حياة أبيه ويستمرّ فيها) يكرّر حياة أبيه بادئا مثله بالخروج من كنف أبيه، ليبحث بمفرده عن معنى لوجوده.

تلك التجارب الكثيرة التي مرّ بها ساد هارتا، لم تكن تُذمّ الواحدة منها عند العبور إلى الأخرى. في أيام حياته الأخيرة بدا ساد هارتا راضيا عن كلّ ما مرّ به وممتنّا له. ذلك مختلف عما اعتدناه من التشبّث بالحال الأخير الذي يجد كل منا نفسه فيه. وهو اختلاف ثقافي ووجودي يعيدنا للتذكّر أن ما نقرأه رواية هندية غير متعيّن زمنها. هي حكاية يمكن أن تعود إلى ألف عام، لكنها مع ذلك ظلّت رسالتها فاعلة في زمن ما بعد الحروب العالمية. كانت تقدّمت لقرائها الملايين، هناك في الغرب، على أنها اقتراح بفهم آخر، جديد، للحياة.

«سهارتا» رواية هرمان هسّه سهارتا – قصيدة هندية أعاد نقلها إلى العربية سمير غريس معقّبا على ثلاث ترجمات سبقت لها كانت اثنتان منها عن الإنكليزية والثالثة عن الألمانية. الترجمة الجديدة صدرت عن دار الكرمة في 216 صفحة لهذه السنة 2023.

 

 

 

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق