رواية أغداً ألقاك للكاتبة غادة عثمان
الرواية صادرة عن دار إبهار للنشر والتوزيع عدد الصفحات بداخل تطبيق أبجد 115 صفحة.
❞ تُرى أغدًا ألقاك يا بني؟! أضمك إلى قلبي، أقبّلك وأشم رائحتك العطرة أستمتع بموسيقى صوتك العذب وأنت تنطق كلمة "أمي" لأول مرة. ❝
عاش إبراهيم طفولته في وحدة قاتمة، مقتنعاً بأن والدته توفيت عند ولادته، ما جعله يحيا مشبعاً بذنب لا يعرف له تبريراً سوى أنه السبب في موتها، ووالده الذي تركه في مدرسة داخلية بلندن، لم يكُن أكثر رحمة؛ فقد كان حاضراً فقط بقسوته، يعامله ببرود لا يدرك إبراهيم له سبباً.
نشأ إبراهيم في تلك الحياة المظلمة، يختزن في داخله آلاماً كثيرة مشاعر مكبوتة، وغضب كبير تجاه والده الذي تخلى عنه، وتزوج وكون عائلة أخرى، تاركاً إياه يتخبط في وحدته بلا سند، بلا كلمة حانية، وبلا دعم.
كبر إبراهيم، وتفوق حتى أصبح واحداً من أبرز أطباء القلب والأوعية الدموية في جامعة أكسفورد. كان ناجحاً في مجاله، لكن قلبه كان ضعيفاً، مهدداً بالتوقف في أي لحظة، اتخذ إبراهيم قراراً لا رجعة فيه قرر العودة إلى مصر، عائداً إلى وطنه مع زوجته هاجر وطفله الوحيد آدم، عازماً على أن ينهي رحلته هناك، حيث ينتمي، لكن ما إن عاد إلى وطنه حتى بدأت الحقائق في الانكشاف أمامه، اكتشف السر الذي ظل مجهولاً طوال سنوات عمره اكتشف أن والدته لم تمت، وأن والده لم يكن قاسياً بلا سبب، بل كان يقسو على نفسه بقدر ما قسا عليه، وهنا بدأ في أكتشاف قصة ليليان، أو "ليلى" المرأة المصرية اليهو*دية التي أحبت رجلاً مسلماً وتخلت عن كل شيء من أجله إلا أن القدر لم يكن كريماً معها؛ عاشت في ألم دائم، على أمل اللقاء بابنها الذي أُخذ منها قسراً ولم تره يوماً، تسرد الكلمات حكاية حب أُجهض، وتضحية لم تُكلل بالسعادة، وأم قضت عمرها على أمل لقاء ابنها الذي ظن أنه السبب في فقدانها، ليدرك أن القدر كان سيد هذه المأساة من البداية للنهاية.
الرواية تأتي بأسلوب سردي ممتاز حيث تتنقل بين راوٍ عليم وأنا الراوي، ما جعل العمل غير ممل ومرن في التعبير ومتعدد لرؤية الأحداث.
أسلوب الكتابة جيد جدًا؛ أبدعت الكاتبة في توظيف تعابير بليغة تنمّ عن إتقانها لأحد أهم عناصر النجاح الأدبي، وهو امتلاك لغة قوية وجذابة تشد القارئ من أول سطرٍ مكتوب.
لكن مع هذا التميز في الأسلوب، جاءت بعض النواقص في رسم الشخصيات، خاصة في شخصية البطل إبراهيم بدا وكأن الشخصية تتحدث بمشاعر وتفاصيل تُحاكي الحساسيات الأنثوية أكثر من تلك التي تتناسب مع رجل ناضج وذو مكانة، بدت انفعالاته ورؤيته للعالم مبالغاً فيها من ناحية العاطفة، مما أفقد الشخصية شيئاً من الاتزان وخلق نوعاً من عدم التماهي مع كونها شخصية ذكورية ناضجة وعلى العكس تماماً كانت شخصية ليلى كاملة الملامح، واضحة العمق.
خط سير الأحداث كان سريعاً للغاية تخطى التفاصيل المهمة بلا اكتراث تجاوز كل العناصر التي كان يمكن أن تضيف لمسة فنية ورؤية عميقة أكثر على القصة المروية، فالرواية بالرغم أنها تتناول واقعاً مؤلماً ومأساوياً، كانت بحاجة إلى تباطؤ أكبر يتيح للقارئ الانغماس في تفاصيل حياة شخصياتها، واستيعاب التنقلات التي حدثت!.
الرواية بلا شك فكرتها عميقة تحاول تصوير مأساة شابة يهو*دية مصرية كسرت القيود وتزوجت من شاب مصري مسلم بالرغم من رفض عائلتها وعائلته، لينفتح عليهم باباً من الصراعات الشخصية والعائلية، لكن ما رأيته هو أن الرواية لم تعطِ الأحداث والزوايا الحياتية التي بداخلها حقها الكامل من التفصيل والتعمق!
فعلى الرغم من أن الحبكة في ظاهرها مثيرة ومشحونة بالصراعات، إلا أن الكاتبة اكتفت بتناول الأحداث بسطحية، دون أن تُسلط الضوء على الصراع النفسي والاجتماعي الذي كان من الممكن أن يجعل الرواية كاملة برأيي.
❞ تم اللجوء إلى مصادر موثقة بشأن المعلومات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بتاريخ وجود اليه.ود في مصر، بما في ذلك سلسلة من الدراسات والأبحاث التي أجراها الباحث والمفكر السياسي الدكتور "محمد أبو الغار"، وتم الاستعانة أيضًا بمذكرات الكاتب السياسي اليهو دي "آلبرت آرية".❝
من الأمور التي أثارت أستغرابي هو التنويه الذي وضعته الكاتبة في بداية العمل حول اعتمادها على بحوث لكتّاب معروفين حول حياة اليه*ود في مصر وتاريخ تهجيرهم، ما أوحى إليّ بأن هناك غوصاً في تفاصيل دقيقة وحياة غنية بالأحداث المرتبطة بتاريخ اليه*ود في مصر لكن مع التقدم في القراءة، وجدت هذا التنويه لم يكن له وجود فعلياً في سرد الرواية؛ فالتفاصيل كانت محدودة، وأحداث التهجير وأسبابها بالكاد كانت موجودة بشكل طفيف.
- اقتباس من العمل:
❞ مرت الأيام ببطءٍ شديد، النهار يشبه الليل والليل يشبه كثيرًا النهار، يمر كل يومٍ ويأخذ معه قطعةً من روحي بعيدًا نحو الهاوية، حتى أصبحتُ جسدًا خاويًا بلا روح. ❝
#بسمة_الجمل