أيّام الجنّة > مراجعات رواية أيّام الجنّة > مراجعة Doaa Mohamed

أيّام الجنّة - أحمد عبد المـجيد
تحميل الكتاب

أيّام الجنّة

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رواية ممتعة مليئة بالحنين للماضي لم أكن أتوقع أن تعجبني إلى هذا الحد.. اكتشفت أني قرأت للكاتب روايتين سابقًا منذ فترة كبيرة ولكني نسيت كتاباته لتأتي هذة التحفة الأدبية الممتعة لتذكرني بقلم الكاتب.

أحداث الرواية ممتدة لفترة الثمانينات كلها مابين فترة 1980 ل 1999 تحديدًا.. لم أكن أعلم أن هذة الفترة حدث فيها كل هذة الأحداث المؤثرة في تاريخ المنطقة العربية ويبدو أن الكاتب محق في قوله أن هذة الفترة ستذكر في التاريخ في سطرين أو ثلاثة ربما رغم أهميتها وأهمية الأحداث في تغيير مصير دول بأكملها وقلب موازين القوى في مصر والدول العربية..

الكاتب أبدع في جمع كم المعلومات والأحداث والشخصيات السياسية التي حدثت في هذة الفترة في المنطقة العربية كلها بالتزامن مع حكاية حياة جيل الثمانينات وسط هذة الصراعات والتغيرات.

مهما حاولت لن أستطيع حصر ما أعجبني في هذة الرواية لكثرة التفاصيل بها.

الشخصية التي تمثل هذا الجيل (حمادة) نبدأ معه رحلته منذ طفولته .. حمادة الابن البِكر للعائلة والحفيد الأول ما منحه سنوات طفوله أولى رائعة كان فيها الآمر والناهي وكان محور الإهتمام..

دَلَّلـهُ أبواه وخصوصا والدته وخالاته وجدّته.. كانوا يلتفون حوله لتلبيه احتياجاته مما أشعره بأهميته.. محاولته فهم تصرفات الكبار ومحاولته التعبير عن مشاعره دائمًا.. ذكريات الطفولة وكثرة التدليل والإحساس الدائم بالدفء والأمان.. ذكريات بيت الجدّة و التجمعات العائلية وإفطار يوم الجمعة وتحلق العائلة حول السفرة والحديث في كل شيء.. التنعم بأفضليه الطفل الوحيد والحفيد الأول.. الألعاب والفُسح والحب والأمان وبراءة الطفولة التي لا تدوم.

❞ أغلب حياته في تلك الفترة قضاها في بيته الثاني: بيت ستو، فمع سفر بابا المستمر للقاء الرئيس السادات، ثم بعد ذلك سفره إلى السعودية؛ كانت ماما تأخذه وتذهب لتُقيم عند ستو، حيث يعيش حمادة عيشة الملوك، وكأنهم يُعدُّونه ليصبح طاغية صغيرًا. ❝

❞ فاطمأن حمادة وأحسَّ بشعور حلو ودافئ يملأ صدره، سيعرف لاحقًا عندما يفقده أن اسمه الأمان. ❝

-بالتزامن مع طفوله حمادة يتحدث الكاتب عن جيل الأباء الذي تزامنت فترة شبابه مع أحداث محورية في مصر وعاصر فترتان رئاسيتين وحُكمين مختلفين عاصر ثورات.. جيل كان يتابع المشهد ويتأثر به ويظن أنه هو أيضًا مؤثر جيل كان يهتم ويشارك ويندد ويرفض إلى أن استوعب بالطريقة الأقسى أن كل هذا لا يهم.. جيل عاصر تغيرات جذرية في بلده أدت بهم لفترة ركود اقتصادي في بداية الثمانينات ومن ناحية أخرى كان اكتشاف دول الخليج للبترول والنقلة الاقتصادية والثقافية الناتجة عن ذلك.. فترة ركود في مصر جعلت الآباء يفرون للبحث عن وظيقة ودخل مستقر في الدول الأخرى التي بدأت تنتعش اقتصاديًا..جيل اختار الاغتراب عن الأهل والبلد حتى يؤمن لنفسه ولأسرته مستقبل مستقر..

❞ جيل الآباء مرَّ بالكثير، فعلى مدى الثلاثين عامًا الماضية عاشوا وآباءهم حياة حافلة، مليئة بالدراما والتغيُّرات، ثورات وحروب واتفاقيات وتأميمات واعتقالات، وتحوُّل من الغرب للشرق، ومن الشرق للغرب، تغيَّر العلم والنشيد الوطني أكثر من مرة، وتغيَّر اسم البلاد نفسه أكثر من مرة، ثم جاءت سنوات الثمانينيات، وبفضل الرجل الذي لا يفعل شيئًا سوى تسيير الأمور ويريد أن يمشي مع البلد بجوار الحيط؛ وجدوا أنفسهم في حالة ركود، جمود أربكهم. ❝

-لم تدم فترة تدليل (حمادة) كثيرًا حتى سُحب منه بُسلط الإهتمام عند مجيء أخيه رامي للحياة.. فأصبح مدركًا لكونه لم يعد المغضل والأوحد بعد الآن وأن حياته ستتغير بسبب هذا الوافد الجديد.. وتصرفات باقي أفراد العائلة وتذكرهم فجأة أنه طفل تم تدليله كثيرًا وأن عليهم تربيته بطريقة صحيحة حتى لا يفسد.. كل هذة التصرفات التي ترجمها إلى أنه لم يعد محبوبًا من دائرته وأشخاصه المفضلين وإلى أنه فقد معنى الأمان.

❞ فحمادة مثلًا، أغرقه أهله في محيطات محبتهم، أغدقوا عليه حنانهم، جعلوه يتعرَّف على كل هذا، يتذوقه ويعيش من خلاله، وتركوه يعتقد أن هذا وضعه الطبيعي، أن يكون خليفتهم العبَّاسي الذي يتواجدون أسفل قدميه في أي وقت ليلبُّوا أتفه رغباته. وبعد أن اطمأن واستكان، بدأوا تنفيذ خطتهم، فأخذوا يسحبون منه كلَّ هذا شيئًا فشيئًا، قطعة قطعة، بالتدريج وبينما يكبر. فمرَّت به السنين وهو يشعر بأنه ارتكب خطأ ما دون أن يدري فأخرجوه من الجنة. ❝

- يتحدث الكاتب أيضًا عن تشتت معظم أبناء هذا الجيل بين بلدين مختلفتين في الثقافة رغم أن اللغة يتعبر واحدة وشعورهم الدائم بالغُربة سواء كانوا هنا أم هناك.. ف حمادة مثلا كان أثناء تواجده في السعودية يشتاق لمصر ولجدّته وبيته وألعابه وإحساس المحيط الآمن المعروف الذي كان لديه هناك.. ولكنه أيضا أثناء تواجده في مصر يشعر أنه لا ينتمي لها كليًا فالكل يعامله كأنه ليس من هنا فقط لأنه نشأ في السعودية. لم يحظ بشعور الإنتماء لمجموعة حقًا.

❞ كان حمادة يشعر في مصر بأنه غريب، يحبها ويشتاقها ويبكي عند الرحيل، لدرجة أنه ذات مرة، وخلال استعدادهم للذهاب للمطار، وقبل أن يركبوا سيارة خالو؛ مال على الأرض والتقط حجرًا صغيرًا مسحه ووضعه في جيبه، وأخذه معه للسعودية ليُذكِّره بمصر. لكنَّه مع ذلك كان يشعر أنه غريب، الجميع يتعاملون معه باعتباره الفتى القادم من السعودية، يكلِّمونه بحذر في البداية وهم يخشون ألا يفهم لهجتهم، يُحاولون أن يشرحوا له ما يفعلونه وكأنه لا يدري شيئًا عن طريقة الحياة في مصر، يسألونه بانبهار عما يملكه من أشياء وألعاب أحضرها له بابا الغني، فيبذل جهدًا كبيرًا ليُشعرهم أنه مثلهم، يُفكِّر كما يُفكِّرون ويتصرف كما يتصرفون، وأنه ليس غنيًّا كما يتصوَّرون، بل ابن بلد بسيط يعرف كل شيء عن مصر. وفي السعودية هو بالطبع الفتى المصري الذي جاء ليكون عالة على هذا البلد ويأخذ من خيراته، ينادونه: يا مصري، ويقولونها أحيانًا بصرامة أو بازدراء، وكأنها سُبَّة. ❝

❞ ‫ آلمه أنه لا يشعر بالانتماء لا إلى هنا ولا إلى هناك، ليس لديه أصدقاء حقيقيون لا هنا ولا هناك، فمن هو وإلى أين ينتمي؟ أينتمي لعالمه الخاص الذي ليس له وجود خارج ذهنه؟ ❝

-أيضا تضحيات الزوجات أمثال (الأم).. زوجة وجدت نفسها وحيدة وزوج مُغترب لتأمين مستقبلهم.. وجدت نفسها تتحمل مسؤولية بيت ووولدين ف أدركت أنها لن تكون قادرة على تربيتهم لوحدها وتقرر التخلي عن آمانها وسط أهلها والتغرب مع زوجها ليلتم شمل العائلة ولتكون مع زوجها ويتربى أولادها في كنف والدهم.

-تبدأ رحلة (حمادة) الفردية وحياته وتكوين شخصيته فعليا منذ بداية دخوله المدرسة العالم الذي تتحطم على صخرته أحلام الأطفال الإبداعية.. لكن على الرغم من ذلك وعلى الرغم من عدم اندماجه مع أقرانه لاختلافهم عنه كثيرًا إلا أنه كان طالبًا متفوقًا..

شعور اليوم الأول في المدرسة وبراءة الطفل وخوفه من أن يُنسى ويُترك وألا يعود لبيته واكتشاف بهجة استلام الكتب المدرسية ذات الرائحة الجميلة لأول مرة وألم فقده متع الحرية..

❞ كلُّ طفل يظلُّ مشروع عبقري صغير، فنان موهوب متَّقد الذكاء، إلى أن يرسله أهله إلى المدرسة، فتنطفئ الجذوة بداخله، ويصبح واحدًا من الكبار، بكل غبائهم وتكبُّرهم وجمودهم. ❝

❞ سيكتشف من الآن فصاعدًا أن النوم أثمن مما كان - برعونته ونزقه - يعتقد. ❝

❞ ثم وزَّع عليهم كتبًا ملوَّنة جميلة: قراءة، خط، رياضيات، علوم، قرآن. الكتب أعجبت حمادة لأنها جديدة ومصقولة وصفحاتها لها رائحة مميَّزة. ❝

-ملحوظة صغيرة،

جيل الثمانينات والتسعينات كان موضوع استلام الكتب الجديدة وريحتها والكراسات الجديدة والأقلام والجلاداا الملونة وتجهيز الشنطة دي كانت من متع الحياة للأجيال دي في بداية كل سنة دراسية 😀❤️

-لكن حياة (حمادة) ونظرته تتغير حين يكشف شيئًا سيغيره ويغير حياته ويبني به عالمه الخاص الذي يواجه به صعوبات الواقع.. اكتشاف متعة القراءة..

كان مشهد اكتشافه أنه أصبح قادرا على القراءة ولو بصعوبة وأنه لم يعد بحاجة لأحد ليقرأ له كان في قمة الجمال 😍

❞ وبينما يتطلَّع بعينين غائمتين بالدمع إلى بالونات الحوار التي تخرج من رأس كلِّ شخصية في كادرات المجلة، تلك البالونات التي احتاج دومًا إلى من يقرأها أو يحكيها له، في تلك اللحظة فوجئ بنفسه قادرًا على قراءتها وحده!

‫ لم يُصدِّق نفسه، واجتاحته سعادة حلوة كالعسل، سعادة لم يشعر بها في حياته من قبل، وكأنه اكتشف سرًّا هائلًا تتوقَّف عليه نجاة جميع البشر. ❝

❞ ظلَّ ساهرًا لساعات يتهجَّى الحروف حرفًا حرفًا ويستلذُّ بطعم الكلمات ولسانه ينطقها، بدت له الدنيا بشكل جديد لم يعهده قبلًا، منذ الآن لن يحتاج أحدًا ليقرأ له، سيقرأ ويقرأ ويقرأ كما يحلو له، وفي أي وقت!❝

-نبدأ رحلة ممتعة خاصة مع (حمادة) بعد اكتشافه القراءة.. لهفته عل الكتب والقصص الجديدة.. مغامرات البحث عن أعداد القصص والسهر لالتهام الكلمات والكتب وخلق عالم خاص مختلف مليء بالمفامرات والأبطال والأشرار والمعلومات الجديدة التي جعلت الطفل يجد سلواه في القراءة ويجد فيها الصديق الذي لم يحصل عليه وجد في القراءة ما يهون عليه صعوبات الواقع ومللُه.

❞ مع القراءة شعر بمتعة أن تصله كلمات من العدم، كأن شخصًا خفيًّا يتحدَّث إليه، وبالكتابة صار بإمكانه هو أن يتحدَّث مع العدم. عندها أدرك حمادة شيئًا واحدًا: منذ اليوم لن يكون وحيدًا أبدًا! ❝

❞ وعندما عرف بوجود مكان اسمه سور الأزبكية يحوي كل الكتب القديمة، ظلَّ طويلًا يحلم بزيارته والتجوُّل فيه، يقول لنفسه إن معاناته في البحث عن ألغاز المغامرين الخمسة ستنتهي حينها، سيجد في ذلك المكان السحري كل الألغاز التي تنقصه. ❝

❞ فقد كان يقرأ كل ما يقع تحت يديه في تلك الفترة، وقبل انتهاء اليوم كان يطرق باب بيت محمد ويتوسَّل إليه أن يستعير قدر ما يستطيع من تلك الكتيبات! العالم الذي وجد نفسه فيه خلال صفحات رجل المستحيل كان شبيهًا بعالم الشياطين الـ13، مطاردات وقتال وصراع بين أجهزة المخابرات والمنظمات الإجرامية، لكنَّ عالم رجل المستحيل كان أكثر تشويقًا وجاذبية. شخصية أدهم صبري جذبته، وتمنى أن يكون مثله، متعدِّد المهارات، لا يستعصي عليه شيء، يستخفُّ بالمخاطر ولا يخشى أحدًا، وفي الوقت نفسه يذوب حبًّا في وطنه. ❝

-عالم رجل المستحيل (أدهم صبري) وروايات الجيب كانت مصدر إلهام جيل بأكمله.. ما لفت نظري أن هذة الفترة انتاجها الأدبى كان فعلًا مؤثر في نشأة هذا الجيل وفي زرع حب الوطن داخله سواء عن طريق الأدب أو الفن من مسلسلات وأفلام.. انتاجات مصر الثقافية كان لها وزنها وعمقها وبُعد أخلاقي وقيم أعتقد فقدت على مدار السنين.

- تأتي فترة المراهقة بتذبذبها ومشاعرها المثيرة المتناقضة.. حمادة لم يعد طفلًا وعليه أن يتصرف وفقًا لذلك.. صدامات مع الأب (مع بقاء هيبة واحترام السلطة الأبوية) وعدم وجود طريقة للتواصل بينهم جعلت كلاهما يتصرف بطريقة مغايره عما يشعر.. فلا الابن تحدث مع آباه مطولا عن أحلامه مثلا وعن رغبته في أن يصير كما يتمنى وأنه يتطلع لنظره رضى منه ولو عابرة... ولا الأب تحدث مع ابنه حديثًا عميقًا من القلب يصرح فيه بحبه له ومدى فخره به رغم هفواته..

الجيل اللي اتربي وكبر علي إن التعبير عن المشاعر ليس خيارًا مطروحًا من الأساس.

❞ الحياة لم تعد تلك المغامرة اللذيذة التي يخوضها طوال الوقت، صار جلُّ همِّه أن ينجو، لا أن يعيش، أن يمضي يوم آخر وهو بخير، دون أن يفقد شيئًا من كرامته أو يتحقَّق شيءٌ من مخاوفه. كان دون أن ينتبه، قد أدرك الفرق الجوهري بين الطفولة والنُّضج. ❝

-الوالد الذي كان يصارع شعور الغُربة والأحلام المؤجلة والبحث المحموم عن الوقت المناسب والآمن لوضع العائلة للعودة إلى الاستقرار في الوطن..

الوالد تخلى عن حلمه في سبيل عيلته.. وعانى من تغير صورته وسط أهله بسبب سفره وأن لا أحد يرى معاناته فقط كل من يراه يعتقد أنه أصبح يرقد على تل من الذهب!

-يشب (حمادة) ويختبر مشاعر الفقد لأول مرة كان جزء صعب جدًا.. فجأة تفقد السند في الحياة.. فحأة تشعر أنك خُدعت.. شعور أنك لم تقضي الوقت الكافي مع أحبابك وأنك لم تدرك أنهم راحلون في يوم ما إلى أن تصيبك الفاجعة ووجع القلب..

التندم على عدم الإدراك وتفويت الفرص الأخيرة لأننا لم نكن ندرك أنها فرص أخيرة!

-كان رحلة من أجمل ما يكون ومثمرة.. الأحداث السياسية وسردها كان عظيم ربما تشعر أنه ممل في البداية ولكن لا تيأس ولا تتخلى عن الرواية فقط أكمل وستفهم..

اللغة كانت سهلة وبليغة في الوقن ذاته.. جرعة زكريات وحنين لزمن مضى أكيد ستحبها وستشعر بالحنين لهذة الذكريات حتى لو لم تعيشها!

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق