أدب الرسائل دائمًا ما يكون له سحر خاص، جذبني الغلاف والعنوان وأوحي لي بأن الرسائل لم تصل لأصحابها وهو ما يتضح بالفعل مع الرسائل بالجزء الأول الذي يمتلئ بالشجن والحزن والكثير من التفاصيل المؤثرة.

يتكون الكتاب من عدة أقسام، حين وصل ساعى البريد نتأخرًا - حين لم يصل الساعي – الأوراق التي رماها الساعي لم تكن فارغة وإنما وجدت شفافة لأنها كتبت بالعرق- رسائل كتبت بالرصاص – رسائل عثر عليها في جواز سفر محترق – رسائل عثر عليها تحت وسادتك – رسائل وضعت في صندوق بعد مرور الساعي وإغلاق مكتب البريد ثم الخاتمه.

الجز الأول هو الأفضل وبه يستغرض الكاتب رسائل كتبها أشخاص لذويهم يصفون ما يمرون به ويعدون بأشياء في المستقبل القريب، ومع تفاصيل كل رسالة لك أن تتوقع ما سيحدث ولماذا لم تصل الرسائل إلى أصحابها.

يعكس الكاتب من خلال الرسائل التجارب الواقعية التي يعيشها المصريين، وأحلامه وأحزانه وطموحاته.

أسلوب الكتابة بسيط وسلسل يركزعلى العاطفة وخيال القارئ في استدعاء الأحداث وربطه عاطفيًا بأصحاب الرسائل مثل غرق عبارة السلام 98 ومجزرة بورسعيد، مشاهد تاريخية مؤلمة صاغها الكاتب في رسائل قد تكون سقطت من ساعي البريد ولكنها لم تسقط من ذاكرة كل المصريين.

الجزء الثاني من الرسائل يمثل مناجاة من الأطراف الذين لم يستقبلوا الرسائل الأولى ليعكس الجانب الأخر من الواقع والمشاعر وكذلك المعاناة.

الأجزاء الأخرى من الكتاب تتناول الحياة الاجتماعية في مصر ومنها ما يتناول الحرب، الكثير من التفاصيل والمشاعر تسرى بانسيابيه بين السطور وإن بدت الموضوعات عادية نقابلها كل يوم في الطرقات وفي بيوتنا وأحيانا في المرآة ونحن ننظر لأنفسنا.

في الجزء الخاص بـ رسائل وضعت في صندوق بعد مرور الساعي وإغلاق مكتب البريد جميع الرسائل قدّم الكاتب رسائل قصيرة تختزل الكثير من المشاعر والأفكار ربما ليس الأفضل ولكن يمكن لأحدى الرسائل أن تجعلك تفكر لوقت طويل.

يمكن إنهاء الكتاب في جلسة واحدة، لكنه غير مناسب في حال كانت حالتك النفسية سيئة، حيث يثير الشعور بالحزن.

أحببت إهداء الكتاب

إلى الذين ما زالوا يؤمنون بالورق.

بعض الاقتباسات

- هذه ليست قصة ساعي البريد؛ وإنما قصة الرسائل

- اشتريت لك لعبة جديدة، قطارا ومعه السكة،حتي إذا كبرت وقال لك أحدهم: (فاتك القطار)، قلت له: (اشتري لي أبي القطار نفسه,وانا ابن عشر سنين).

- إلى صاحبي الذي انتحر لأنه لم يجد حضنا واحدا يدعوه إلى الحياة.. هأنذا أضم تراب قبرك

- لكن قلبي كبير كما تركته ، يسعك وحدك ، و يضيق بالناس

- إلى الذين يملكون القدرة على الغياب، نملك نحن القدرة على الانتظار، وندرك تمامًا أن الانتظار قد يكون عبئًا، ولكنه يحمل في طياته أملًا صامتًا.

وأريد أن أهرب، إلى أين لا أعلم ، لكن بداخلي شعورا قويا أن هناك عالما يناسبني أكثر من هذا.

- الحياة يا صديقي رحلة قصيرة، نفقد فيها أجزاء من قلوبنا، ونكتشف فيها تفاصيل في داخلنا لم نكن ندري أنها موجودة

إلى الصديق الذي كان وسيظل... حين يغيب الباقون، وحين يصبح الجميع ضيوفًا عابرين، تبقى أنت كالوطن.

- أظن أن علي أن أذكر نفسي باستمرار أن الإنسان إنسان وإن بدى خارقًا ملهمًا ومثاليًا من بعيد، ألا أصدق أن هناك من هو بلا نقص. عندما أنظر لنفسي فأنا أعرف الحقيقة كاملة فأنا لصيقة بي، أعرفني كما لم يعرفني أحد. ولأنني أعرفني أخاف أن يقترب أحد أو أقترب.