جريمة الابن الصالح
تأليف / جونغ يو جونغ
ترجمة / محمد نجيب
التقييم / ⭐⭐⭐⭐
التصنيف / بوليسي
اللغة / الفصحى للسرد والحوار
دار النشر / العربي للنشر
عدد الصفحات / ٣٦٨ صفحة أبجد
* في البداية لابد من توجيه الشكر الجزيل للمترجم محمد نجيب على هذه الترجمة البديعة، والتي لولاها ما كنت استكملت قراءة الرواية.
* النقطة الثانية وهي أنني منذ عودتي للقراءة بعد انقطاع دام سنوات وسنوات لم أشأ أن اقتحم أدب الجريمة والرعب، وفضلت على أن تكون قراءاتي مُركزة على الرويات التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، وخلافه.
* وفي نفس السياق، أود أن أشير إلى أن رواية "جريمة الابن الصالح" هي الرواية الأولى لي في فرع الأدب المترجم، ولذلك اخترت أن تكون الرواية صادرة عن العربي للنشر لعلمي بأنها من أفضل دور النشر في مجال الروايات المترجمة.
* وبالتبعية فهذه هي أولى تجاربي مع الأدب الكوري، وقد جاء اختياري للرواية بمحض مصادفة من خلال بحث أجريته على أبجد على أكثر الروايات البوليسية قراءًة وتقييمًا، فكانت هذه الرواية متصدرًة نتائج البحث.
* بدأت قراءة الرواية قبيل الإعلان عن منح الكاتبة الكورية "هان كانغ" جائزة نوبل للآداب لهذا العام، وهو ما جعلني أكثر إصرارًا على قراءة رواية "جريمة الابن الصالح" حتى السطر الأخيرة.
* أما عن الرواية، فقد كنت في حيرة شديدة في تقييمها ما بين ثلاث وأربع نجوم، ذلك لأن الثلت الأول من الرواية تقريبا شديد الملل، والرتابة، وعابه كثرة الإسهاب المبالغ فيه في شرح التفاصيل، بل وتكرارها من آن لآخر.
* الرواية ستجذب المولعين بالقراءة في مجال الأمراض النفسية، فهي تتحدث عن شاب عمره ٢٥ سنة "يو-جين" وهو مريض بالصرع، يستيقظ ليجد أمه مقتولة، ونجده يقف عاجزًا عن تذكر ما حدث في الليلة التي سبقت مقتل والدته.
* يحاول "يو-جين" جاهدًا استدعاء ما حدث، ولماذا قُتلت أمه، ومن القاتل؟!
* ما يقرب من ال ٨٠ صفحة الأولى من الرواية تسهب الكاتبة بشكل كان يدعو للملل في حوار "يو-جين" مع نفسه، سواء كان حوارًا آنيًا، أم كان نبشًا لذكرياته مع أمه عبر مراحل حياته المختلفة.
* تبدأ الرواية في التصاعد بعدما يصير "يو-جين" متأكدًا بأنه هو من قتل والدته، ويأخذنا السرد لمناطق مختلفة منها ما يتعلق باستدعاء "يو-جين" لمشهد قتل أمه، وكأنه يقوم بتثميل الجريمة أمام رجال الشرطة.
* نكتشف مع تقدمنا في الرواية أن "يو-جين" كان يحمل من مشاعر الكره، والبغض لأمه، وكذلك خالته الطبيبة النفسية الكثير والكثير، لأنهما هما من أجبرتاه على تناول علاج مرض الصرع عندما كان لا يزال في التاسعة من عمره، وأن الآثار الجانبية لهذا الدواء كانت لها بالغ الأثر في التوقف عن رياضته المفضلة "السباحة"، حيث كان على وشك أن يمثل من خلالها بلده كوريا الجنوبية في الأوليمبياد.
* كان توقف "يو-جين" عن ممارسة رياضة السباحة، بفرمان من خالته وأمه عندما اكتشفتا توقفه عن تناول علاج الصرع، وبعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من حلم اللعب بالأوليمبياد بمثابة الصدمة الكبري، ما أجج من مشاعر الكره والبغض الدفينة داخله نحو أمه وخالته، لأنهما المتسببتان في الحياة البائسة والتعيسة التي يعيشها، خاصة عندما يواظب على تناول الدواء.
* كانت وفاة والد "يو-جين" وأخاه، الذي كان يكبره بعام واحد فقط غرقًا، في مرحلة طفولته من ضمن أهم التحولات النفسية التي مرت به، خاصة عندما وجهت له أمه أصابع الاتهام في أن يلقى أخاه هذا المصير المؤسف، متهمة إياه بأنه لولا اللكمة التي وجهها لأخاه في صدره عندما كانا يلعبان أحد ألعاب النجاة ما كان ليفقد توازنه ويسقط في المحيط.
* هل كان "يو-جين" بريئًا من هذه التهمة التي وجههتها لها أمه، أم أنها كانت محقة! وهل كان ذلك الأمر سببًا إضافيًا في الفجوة التي حدثت بين الابن وأمه؟!
* نقضي وقتًا ليس بالقصير من الرواية مع قراءة "يو-جين" ليوميات أمه منذ أن كان طفلًا صغيرًا حتى قبيل قتله لها بلحظات.
* كان هناك سؤالًا محيرًا لم يجد "يو-جين" له إجابة إلا بنهاية القصة، وهو لماذا كانت أمه وخالته تكرهاه (من وجهة نظره)، ولماذا قضيا على مستقبله بوضعه على هذا الدواء، الذي أفضى إلى أن يقتل أمه، ثم خالته في سيناريو مثير للغاية.
* ثم تأتي المفاجأة في جريمة القتل الثالثة، والتي لم تخطر على بالي مطلقًا، وأظن مشهد هذه الجريمة هو ذورة تصاعد الأحداث في الرواية.
* سنكتشف أيضًا في النهاية هل كان "يو-جين" محقًا في بغضه لأمه وخالته، أم أن أمه هي من كانت محقة فيما اتخذته من إجراءات وفرض رقابة صارمة عليه في كافة تفاصيل حياته لتحميه من أن يؤذي نفسه أولًا قبل الآخرين، خاصة عندما تفاجئنا الكاتبة بأن مرض "يو-جين" أشد قسوة وضراوة من مرض الصرع.
* أظن أنه كان من الممكن جدًا اختصار هذه الرواية للنصف أو يزيد قليلا بإزالة الكثير من الحشو والتكرار، والذي لم يكن له أي مبرر في التسلسل الدرامي للأحداث.
* من النقاط الإيجابية بالراوية أن كل الأمور المتعلقة بالجوانب النفسية، وما أكثرها، مشروحة بشكل متميز ويسهل على القارئ هضمها بيسر وسهولة.
* جاء الغلاف معبرًا عن أحداث الراوية وما يعانيه بطلها من أزمات وهزات نفسية لا حصر لها.
* شخوص الراوية قليلة للغاية وتكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة، فبجانب بطل الرواية "يو-جين"، وأمه وخالته، هناك صاحب متجر "يونجي" والذي كان يتردد عليه "يو-جين" لشراء الكعك الذي يحبه، وللمتجر دور هام في النهاية الدرامية المثيرة التي انتهت بها الرواية، وهناك أيضا "هاي-جين" أخو "يو-جين" بالتبني، والشخصية الأقرب عاطفيًا لقلبه.
* نهاية الراوية كانت مفاجئة، بل وصادمة، وغير أنني لم أكن أتوقعها على الإطلاق، لم أكن أتمناها أبدًا.
* السرد والحوار جاءا سلسين، وممتعين، ومشوقين.
* الترجمة بديعة فلا تواجه أي صعوبات في فهم النص، بل زعمي أنها أضافت الكثير من عناصر التشويق والإثارة للرواية.
اقتباسات:
- ابتسامة "هاي-جين" بمثابة هدية لي، بينما تضخ أمي خوفًا لا متناه في مجرى دمي.
- معظم المدمنين ينتشون كي يطاردوا خيالًا متوهمًا، لكنني على النقيض من ذلك، أقلع عن أدويتي حتى أصل إلى واقع أكثر وضوحًا.
- تمتعت دائمًا بموهبة إعادة تصور مشهد بحيث يبدو قابلًا للتصديق، رغم أن أمي تنتقص من تلك الموهبة، وتسميها "كذبًا".
- ما عدد الأمهات اللاتي سيبقين على قيد الحياة لو قتلهن أبناؤهن عندما يمسكن بهم وهم يفعلون شيئًا لا يجدر بهم فعله؟
- عاش كل أشكال البشر في هذا العالم، يهتم كل إنسان بأموره الخاصة به. يصبح بعضهم قتلة سواء بالمصادفة أو بسبب نوبة غضب أو بسبب المتعة الكامنة في القتل.
- ثمة أشخاص في حياتك لن تستطيع أن تحبهم مهما حاولت. حتى عندما يبتسم لك، تنتابك رغبة في أن تشد وجهه من كلا الجانبين، وتمزق فاهه.
- يعرف الجميع أن لا أحد يستطيع الحصول على أي شيء ما دام محرومًا من كل شيء.
-يستطيع الكلب "هالو" أن يعيش بسعادة دون أن يعرف أنه "هالو"، لكنني لا أستطيع مواصلة الحياة دون أن أعرف من أنا، وماذا اقترفت يداي.
- أدركت تدريجيًا كيف يمكن للرغبة أن تجعل المرء يُقدم على فعل أشياء قد تبدو مستحيلة.
- في الأحلام كل شيء تريده، يصبح حقيقة، والأشياء التي لا يمكن تخيلها تحدث طيلة الوقت باسم الرغبة.
- لا يمكنك أن تغادر قاربًا في المحيط الهادي لأنك تشعر بالغثيان.
#أبجد
#جريمة_الابن_الصالح