لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة > مراجعات رواية لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة > مراجعة هاشم السيد

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة - خالد خليفة
تحميل الكتاب

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

H.S

في رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" للكاتب الراحل خالد خليفة، نجد أنفسنا أمام شهادة زمنية حافلة بالألم والصراع، تطرح تساؤلات عميقة حول الوجود الإنساني في وطن تمزقته الحروب والتغيرات. يفتح الكتاب نافذة على سورية، حيث الماضي والحاضر يتشابكان في لوحات قاتمة تصف الانهيار الداخلي لمدينة حلب، التي باتت رمزًا للخراب والضياع. من خلال رحلة طويلة عبر دهاليز هذه المدينة، يشعر القارئ بأنه يتجول في شوارعها الممزقة ويتلمس تخوم الحدود السورية-التركية المشتعلة. هذا العمل الأدبي يتجاوز الجرأة ليصل إلى عمق الجندر والهوية الاجتماعية، مشكلاً تحدياً جريئاً للعادات والتقاليد التي لطالما وُضعت كخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.

يرسم خليفة ملامح واقع سوري يموج بالتناقضات، حيث يشعر الأفراد بالغربة في مدينتهم، ليس فقط بفعل الحرب، بل بفعل التحولات الزمنية والاجتماعية التي غيرت ملامح المكان وأهله. بعمق فلسفي ينتمي لمدرسة العبث التي رسّخها سارتر، يُظهر خليفة كيف أن الزمن ليس مجرد تعاقب للأيام، بل هو قوة مدمرة تغير من معالم الحياة والمدينة، وتلتهم هويات الأفراد كما تلتهم المدن ذاتها. الشخصيات في الرواية، مثلها مثل مدينتهم، لم تعد تشبه ذواتها، وكأنها تسير نحو المجهول، خاضعة لإرادة القدر الذي يسيرها نحو الفناء والعدم.

بهذا النسيج الأدبي القوي، يستدعي خليفة أيضًا الدين والدولة في علاقة معقدة، محكومة بصراع دائم بين الفرد والجماعة، مما استوقفني لأتذكر فِكر علي الوردي في "مهزلة العقل البشري"، حيث يضع تلك الأفكار تنعكس بشكل مباشر في حياة الشخصيات، التي تجد نفسها مضطرة للعيش تحت ضغط القيود الاجتماعية والسياسية، في عالم قاسٍ لا يرحم.

وكما أراد خليفة أن يوجهنا نحو تفكر عميق في ماهية الحياة والموت، اقتادنا عبر سردياته إلى مواجهة مباشرة مع العدم. هنا، الموت ليس نهاية الحياة الجسدية فقط، بل هو موت معنوي، موت للأحلام، للهوية، وللارتباط بالمكان. وفي نهاية المطاف، يبقى القارئ يحدق في اللوحة الكاملة لسورية، التي رسمها الكاتب بيد خبيرة، حيث الخيوط تتداخل لتشكل صورة وطن مكسور وجروح لا تلتئم. إنها رواية تتطلب أكثر من قراءة واحدة، لأنها تطرح تساؤلات تتعدى حدود النص إلى ما هو أعمق في النفس البشرية والمجتمع.

هاشم السيد / روائي فلسطيني

Insta:@hashemksayed

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق