H.S
كتاب "التداوي بالفلسفة" لسعيد ناشيد
يأخذنا المفكر في رحلة عميقة، كاشفًا عن قدرة الفلسفة على إرشاد الإنسان في متاهة الحياة. يتناول التخلي عن التوقعات الزائدة والبحث عن التوازن الداخلي كأدوات حيوية، تشبه تلك التي تحدث عنها "أبيقور" في رؤيته للسعادة المبنية على الرضا البسيط بالحياة.
يرى ناشيد، كما أكد "ألبير كامو" في فلسفته العبثية، أن الفلسفة ليست تأملًا نخبويًا، بل أداة عملية للنجاة من اضطراب العواطف. وهي تتقاطع هنا مع رؤى "أرسطو"، الذي ركز على فكرة السعادة التي تتأتى من التوازن بين العقل والجسد، موضحًا أن الفلسفة قادرة على توجيه الإنسان نحو السعادة الذاتية كما فعل "سبينوزا" في تحليله للأهواء البشرية.
الفلسفة، كما يعرضها ناشيد، تعيد صياغة الحياة كصراع بين الوهم والحقيقة، على غرار فلسفة "شوبنهاور" المتشائمة التي رأت في الألم جزءًا جوهريًا من الوجود البشري، إلا أن ناشيد يميل إلى التفاؤل النسبي الذي يظهر في معالجة "سينيكا" للشقاء و"نيتشه" في تشخيص أمراض الحضارة الحديثة.
وفيما يتعلق بالدين والتنشئة الاجتماعية، ناقش ناشيد في ملحقه مفارقات الألم كعقاب إلهي كما كانت حاضرة في فكر "روسو" و"الفارابي"، بينما حاول "فرويد" فك رموز هذا الألم بوصفه امتدادًا لصراعات اللاوعي. وهنا نجد الفلسفة وسيلة للإنسان ليتفهم الألم كجزء من الوجود، كما فعل "إببيكتيتوس" الذي رأى في الألم فرصة للتعلم والنمو.
من وهنا، تأتي فكرة تقليل الشقاء كما شرحها "برتراند راسل" في كتابه عن السعادة، مؤكدًا أن الحياة تستحق أن تُعاش إذا تعامل الإنسان مع مشكلاتها من منطلق فلسفي. في هذا السياق، يُطرح سؤال عن الأمل، كما ناقشه "اسبينوزا"، متسائلًا إن كان الأمل نوعًا من الخضوع أم ضوءًا ينير لنا الطريق. كما ويستشهد ناشيد بأمثلة عديدة مثل "جلال الدين الرومي" الذي يرى في الأمل وسيلة للتجاوز الروحي. مفاهيم وجودية وعبثية، أراد ناشيد تسليط الضوء عليها في كتابه.
الكتاب ينتهي كما بدأ، بمسألة الموت والحياة. الموت ليس فقط النهاية، بل هو أيضًا مفتاح لفهم الحياة. وكما قال "مونتين"، علينا أن نتعلم كيف نموت؛ لأنه في ذلك، ربما نبدأ فعليًا في تعلم كيف نعيش.
في الختام، يمكن اعتبار هذا الكتاب دعوة لإعادة التفكير في أسئلة الحياة والموت، من خلال فلسفات عديدة أثرت على البشرية.
هاشم السيد / روائي فلسطيني
Insta:@hashemksayed