عدت بعد انقطاع في المجلد السابق يحملني الشوق لنهل ما فاض به خاطر الرائع أحمد امين ذلك أنك لا تمل من حديثه ولا تشقى في فهمه فتأتيك الكلمات عذبة سلسلة تروي ما يعتمل في روحك من تساؤلات حو الحياة وما نعاصره من قضايا ومشكلات قائمة حتى الآن وإن اختلفت ظروفها المحيطة بعض الشيء احياناً.
في بداية المجلد آثر الكاتب ان يضيف مزيد من الحميمية بينه وبين القارئ فيقص علينا قصة من حياته حول تعلمه للغة أجنبية على كبر سنه وما تطلبته حياته من ضرورة لدراستها وكيف تدرج في دراستها سنتين ثم خمس لدى مسز باور وكيف أثرت هذه السيدة الإنجليزية في حياته وتفكيره وهذبت روحه فجعلتها ترى الجمال وتمتدحه في كل موضع.
وبالحديث عن الجمال نجده يتغنى به في مقال "شباب الزمان الربيع" فيحدثنا عن اهمية العقل والروح معا وضرورة البحث عن غذاء كل منهما وانه لولا الجمال لما تغذت الروح والقلب وكلنا يرى الجمال وينشده فقط لو توفرت له البيئة التي تعينه على رؤيته وقلما نجد شيء لا يصرخ جماله هو فقط يريد من يفهمه ويخبرنا أن عمر الانسان لا يحسب بالسنين التي عاشها وانما بما تجاوبت به نفسه مع كل منظر او معنى جميل فحتى الصحراء لها جمالها الخاص بها.
وها هو يحدثنا عن برناردشو ونشأته وأصوله وكيف امتاز بالقسوة والرحمة معا وكيف اتخذ من ظروفه القاسية دافع لنبوغة الذي دعمه ذكاؤه الحاد وكيف ناصر حركة الكتابة الصوتيه وكيف استطاع أن يغلب الفلاسفة في وضوحه فكان يصيغ الافكار العصية بمنتهى السهولة مبتعدا كل البعد عن المصطلحات المبهمه وكيف هاجم شكبير بسبب تشاؤمة واخذ يدعوا للتفاؤل وكيف كان ناقد لازع لا يهاب شيئا فقد نقد العادات والافكار والسياسيين والمتدينين والاغنياء والعلماء حتى الرقباء لم يسلموا من نقده وسخريته وفي ختام المقال تسأل لو كان برناردشو شرقيا كيف سيكون مصيرة؟ ليؤكد لنا ان المجتمع كانت سيتكاتف لاحباطه وقتل صوته وكان شو سينتحر او ينفجر غضبا .
ومنه يتسأل لماذا تغضب المرأة وعليه يخبرنا ان المرأة ساخطه بطبيعتها ما لم تسترضى بعكس الرجل وتناول مزاجها في كل من الادب والشعر وكيف هي ملولة بطبعها مما يتطلب التجديد دائما فكانت السبب في خلق الموضة المتغيره والسبب في ذاك هو نظرتها الداىمة لنفسها وانشغالها بذاتها عن العالم الخارجي.
وفي حديثة عن البطولة والابطال نجد أن بعض الكلمات لا يمكن الامساك بهى فتعطينا معنى واسع شامل غير محدد ذلك ان كل كلمة لها تاريخ ويختلف التاريخ بمرور الوقت وعليه يختلف معنى الكلمة فعرف لنا معنى البطل عند كل من اليونان والعرب والعصور الوسطى وعصر العلم وغيرها لنكتشف ان المعنى يتغير طبقا لمتطلبات كل عصر ومعتقداته وثقافته ولكن تظل مقومات البطل ثابته وهي ان يكون قوي الشخصية ، ذو نفع لقومه ولغيره والا ياتي من الافعال المشينة ما يعيبه فلابد ان يكون قدوة يحتذى به ومع ذلك فمازالت الاسباب المؤدية لظهورة في المجتمع غير معروفة حتى يومنا هذا.
وبالحديث عن صراع الماضي والحاضر نجده ازلي فحتى الطبيعة والبيئة تتغير من حولنا ونحن لا نملك الا ان نسعى للاستفادة من هذا التغير، اما فيما يتعلق بتصرفاتنا فيجب ان نواكب تطورات العصر ونتجه نحو التقدم العلمي لنراكب سير التقدم.
وحينما تحدث عن آفة الشرق كانت التقليد فنحن نتخذ من الغرب مثالا نحتذي به دون ان نطوع ما نأخذه بما يتناسب معنا وعليه لابد ان نتجه للعلم الفردي والمجتمعي والا نقلد تقليدا اعمى .
وفي موسيقى الحياة يخبرنا الكاتب أن ما يخلق الجمال في الفرد والمجتمع هو التناسق الداخلي فلابد من تناسق العناصر الثلاث وهي البدن والعقل والروح فإن هي تناسقت سادت العداله وإن طغت إحداهم كان النشاز وآفة العالم هي إهتمامه بالعقل على حساب القلب.
وفي عالم كذاب يبرئ الكاتب ابريل من صفة الكذب فالعالم كله يمتهن الكذب في الاسرة والعمل والسياسة والبيع والشراء وكيف لا وقد نزل آدم الأرض بسبب كذبة فكانت الحياة كلها أكبر كذبة .
وما أجملها من نصيحة يسديها لنا الكاتب في كن سيدا ولا تكن عبدا ليخبرنا ما هي اخلاق السادة والعبيد وكيف نقيس الامم بناء عليها ويطرح التساؤل الهام هل يمكن تحويل العبيد إلى سادة ليؤكد لنا الطبيعة المتغيرة للافراد والمجتمع فكم من عبيد تحولوا الى سادة والعكس أيضا والدافع لذلك كل من الفقر والجهل فلو تحررنا منهم صرنا سادة العالم.
تتعدد المقالات ولا يسعني حصرها جميعا في هذه المراجعه ولكني أؤكد أن هذا المجلد هو شهادة على عبقرية أحمد أمين الفكرية، حيث يقدم فيه رؤيته المتكاملة حول المجتمع، الدين، الأدب، والتعليم. إنه ليس مجرد تجميع لمقالات أو أفكار متفرقة، بل هو نتاج تفكير عميق في القضايا الأساسية التي شغلت عقل هذا المفكر الفذ . كما يجسد الكتاب رؤيته للإصلاح والتقدم، ويعكس إيمانه بقدرة الإنسان على مواجهة التحديات من خلال العلم، التفكير النقدي، والفهم المستنير لكل من الدين والثقافة والى لقاء متجدد في مجلد آخر.
#قراء_الجرد_فيض_الخاطر