دعونا نستنشق نسمات الهواء الطلق في بداية الجزء السابع من خواطر الكاتب.
يحدثنا عن النفس و الطبيعة. يحدثنا عن الربيع وبهجته وجماله. يحكي لنا عن الضحك وانواعه،وآثره في إدخال السرور وتوثيق الروابط الاجتماعية.
وينتقل إلى أحاديث متنوعة تتعارض فيها الأفكار وجهات النظر .فيدعوك للتأمل بل وربما الوصول إلى عكس ما يعرضه الكاتب.
فالكتاب يدعوك إلى القراءة التفاعلية التي تحث العقل على التفكر و التدبر .
ويحضرني هنا خاطرة ذكرها توفيق الحكيم في كتابه " يقظة الفكر" الذي يقول في مقدمته : "لا أريد من كتابي أن يريح القاريء ،اريد أن يطوي القاريء كتابي فتبدأ متاعبة ..إن مهمتي هي تحريك الرؤوس ".
ويرجع بنا الزمان لنتعرف على رحلة الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال "
تلك الرحلة الشاقة بين آراء و مذاهب شتى، ليصل في النهاية إلى ما ينير ويثلج قلبه بفضل من الله ومنة.
مشددا، على أن الحق لايعرف بالرجال بل كما قال الإمام علي رضي الله عنه "اعرف الحق تعرف اهله ".
وفي مقالاته عن الأدب العربي، يقتبس الكاتب بعض الخواطر ،مما يشابه تغريدات هذا العصر.
أعجبني منها ما قاله بن المبارك عندما سئل : إلى متى تكتب ؟
فأجاب قائلا :" لعل الكلمة التي تنفعني لم اكتبها بعد ".
يحدثنا عن ابن حزم الأندلسي الذي ألف اربعمائة مجلد بين دين و أصول مذاهب و أدب وتاريخ.
نشأ بن حزم في جاه وعز، منعما ومكرما ، لكن تتبدل الأيام و تمر به المحنة بعد المحنة من مصادرة مال و تعذيب اهل و غربة عن وطن فيصبر محتسبا " لا جعلنا الله من الشاكين إلا إليه ،والذي ترك أعظم من الذي أخذ، وكل عارية فاجعة إلى معيرهاجعلنا اللهم الصابرين ".
فيعوضه الله عن ماله وجاهة علما وذكريات لا يفقد.
وتتشعب بنا المسالك لنتعرف مع الكاتب عن أخلاق السادة .
السيد هو الشجاع ،الكريم ،الحليم.
السيد،لين الجانب وواسع الصدر ،بعيد النظر وقوي الفكر .
السيد هو من تحلى بالتقوى " إن أكرمكم عند الله اتقاكم ".
ومن الأقوال المأثورة ينتقي لنا الكاتب من أطايب الكلم من الشرق والغرب، ومنها :
- ما فائدة التاريخ وأقوال الحكماء وتجارب السلف إذا لم تكن دليلا هاديا للخلف.
-الكتب أجمل أثاث ولو لم تفتحها وتقرأ منها كلمة.
-احسن الأطباء هم الدكتور "حمية"و الدكتور " راحة البال" والدكتور " سرور " .
-يبقى الأمل ما بقيت الحياة.
-الأيام مزارع، فما زرعته فيها حصدته.
-"لا يضيق سم الخياط بمتحابين ،ولا تسع الدنيا متباغضين".الخليل بن أحمد.
ويحدثنا الكاتب عن عظمة و جلال كلمة " الله " سبحانة ،وعن فضل التوحيد الذي يشعر الإنسان بالفضل والسمو. فلا سيد إلا الله .فلا يستعبده خادم أو سلطان ولا إي مخلوق مهما كان ، لأنه يؤمن أنه لا اله إلا الله.
ويحثنا الكاتب على نبذ الجدل العقيم ،الذي لا طائل. منه.
فقد ذم الإسلام الجدل العقيم والإمعان في الخصومة.
وفي مقالة ماتعة،يسعد الكاتب الوصايا العشر لإحدى رجال الأعمال، أنقلها بتصرف
1- سأكرم نفسي ...
2-سأكون طموحا ...
3-ساراقب ما يدخل في ذهني من أفكار ...
4-سأكون أميرا مع نفسي ومع غيري ...
5-سأعني بجسمي ...
6- سأعمل على ترقية عقلي ...
7-سأحتفظ بحماستي ...
8-سأكون أميل إلى مدح الناس بدلا من تقريظهم و تعييرهم ...
9-سأحتفظ بمجهودي وبطاقتي ...
10-سأنجح في الحياة ...
وأحب أن أختتم هذة الجولة بما أختتم به الكاتب كتابه.قصة صاحب النقب:
ففي زمن القائد مسلمة بن عبد الملك ،حاصر المسلمون حصنا منيعا للروم ونقبوا فيه نقبا ليدخلوا من خلاله.
إلا أن الروم فطنوا لذلك ،فكلما أراد أن ينفذ منه مسلما قتلوه.
واخيرا جاء جندي ،آتي بالاعاجيب حتى استطاع أن ينفذ ومهد السبيل لغيره. وأستولى المسلمون على الحصن.
فرح المسلمون بنصر الله والفتح ،وأراد مسلمة تكريم هذا الجندي فأرسل مناديا ينادي أين صاحب النقب ؟
فلم يرد احد. وكرر المنادي النداء مرات عديدة.
وفي النداء الرابع ،تقدم جندي ملثم لايبين وجهه قائلا : "أنا صاحب النقب، ولكن أخذ عليكم عهودا ومواثيق ثلاثة :
ألا تسودوا اسمي في صحيفة،ولا تأمروا لي بشيء، ولا تسألوني من أنا "
فقال مسلمة : قد فعلنا لك ذلك.
فكان مسلمة يدعو بعد صلاته " اللهم أجعلني مع صاحب النقب".