نوستالجيا إلى ما قبل الزمن ..
جميع الترجمات العربية لكتب إميل سيوران ضمّت نصًا افتتاحيًّا تعريفيًّا عن حياته ككاتب أولًا ثم كإنسان، ما يشدّد على فكرة واحدة ومؤكَّدة، لا يُمكنك قراءة سيوران بدون فَهْم كيفية عمل عقل هذا الكائن الغريب، ومن أيّ طينة هو.
عندما سُألَ سيوران عن كونه عدميًّا، ردّ بِرَّدٍ أكثر تعقيدًا وغرابةً من السؤال نفسه، قال أنه ليس عدميًّا، بل أنّه "لا شيء ومن الصعب الإجابة على سؤال مثل هذا"، إجابة مثل هذه تشرح مدى تشابك وتعقيد رأس هذا الكائن. إنّهُ المولود من رحم السوداوية ومن صُلب التشاؤم، إمام العدمية ورسول الكآبة، نبيُّ الخيبة والمجرم بحق التفاؤل، قاتل الأمل والناقم على الحياة والساخط على الوجود، آخر أسباط نيتشه وفيلسوف الندم، ولا شَكّ أنّ إميل سيوران؛ هو واحد من القلة القليلة من التي فَهِمت معنى الإنسان والمغزى مِن الحياة البشرية والوجود.
هذا الكتاب حَمَلَ كافّة أحقادنا تجاه البشرية والوجود والإنسان، كتاب ضِدّ كُل ما أنجز في التاريخ منذ آدم، كتاب لا يُنصح فيه لأيّ إنسان مُتفائل، كِتاب فَهمُهُ سيدفعكُ لأعلى مراحل الوعي، ستعي الكثير حتى تكره الوعي. عندما تنهي قراءة "مثالب الولادة" ستُدرك أن الجهل نعمة، والوعي لعنة، وأنَّ الحياة خالية من أيّ معنى، وأن الولادة هزيمة وكارثة حقيقة، وأنَّ الوجود حِمل وثِقل مهول على صَدرِ الإنسان، وأنَّ المَوتَ السعيد هو الفوز الحقيقي والنهاية المقبولة والحل الأكثر مثالية، وستتأكّد طبعًا؛ أنّهُ وكلّما عِشنا أكثر، اكتشفنا أنّه لم يكن من المُجدي أم نعيش.