هناك كاتب يكتب، وهناك فنان يرسم، وثمة من يجمع الحسنيين! ومع انتهائي من قراءة هذا المجلد البديع تأكدت أن أحمد أمين من ذاك الصنف الأخير... إنه لا يرقم حروفاً وكلمات ليكون جملاً، بل يمسك بفرشاته (قلمه) ليصور لنا بديع أفكاره وجميل معانيه فنراها شاخصة أمامنا في أبهى حلة وأكمل زينة... الفكرة والأسلوب هما الجاذب لقراءة النص وبجودتهما تكون جودته، ولعمري فقد أجاد أحمد أمين أيما إجادة... أخطأ لو ظن أنه جلس وحده في الهواء الطلق على شاطئ البحر أو في الصحراء أو مروج الربيع الفاتنة، فقد كنا جميعاً بصحبته نشاركه تأملاته العميقة ونستمع لحديثه العذب... عايشنا معه محنة الشرق، وتجليات الحياة الروحية، وحملنا -كارهين- عبء الاستقلال... أضحكتنا الفكاهة المصرية، وأكبرنا أخلاق السادة، وتدبرنا في أقوال الشرق والغرب المأثورة، وحفظنا الوصايا العشرة! وهكذا الحال مع هذا السفر الأدبي القيم... كل مقال يسلمك للذي بعده وأنت ما أفقت بعد من نشوة السابق حتى يأسرك جمال اللاحق فتتمنى أن لا تنقطع سلسلة الجمال هذه!
#قراء_الجرد