"هل أزدري كل شيء فيصبح المبهج وحشًا ضاريًا يلتهم الأرواح، ويصبح المحزن طريقًا للمعرفة، فيستوي لديَّ كل فرح وحزن؟ هل يستولي الجنون على عقلي إلى الأبد؟ وأي حقيقة أملكها دون الخداع والنهم والعدوانية والخيلاء والبخل؟ أي خواء مفزع ينتظرني؟"
تُجسد رواية "المشاء العظيم" أفكار عديدة منها المُلغز والرمزي ومنها الواضح، وإن كان النوع الأخير قليلاً على مدار الرواية، فبطرح ساخر وسرد مُشوق، نُحاول إكتشاف معنى العمل الأصلي من خلال كاتب يُحاول أن يُخلد في تاريخ الأدب عنوة، وتُعيد الرواية تعريف معنى الإبداع والفارق بين الأصلي والمُقلد، تشعر أن الرواية على قصرها ناقشت أفكار عديدة مرتبطة بالأدب، وبطرح فلسفي مُعقد، بالإضافة طبعاً إلى الخلط بين الجد والهزل، العبث المجنون والواقع الملموس، تغرق مثلك مثل شخصية محمد الأعور فلا ترى الحقيقة، ولا تفهم الخيال، هل الحقيقة ذات وجه واحد فقط؟ أم أنها تتلون وتتشكل على حسب أهواءنا وأمزجتنا؟ ولماذا يُريد الكاتب أن يُخلد؟ لماذا لا يُريد أن يكتب والسلام؟ هل الخلود عملية مرتبطة بالكتابة؟ تجتاح رأسك العديد من الأسئلة، ويفاجئك الكاتب بإلتواءة ما أو موقف هزلي فيُنسيك أسئلتك وبحثك عن إجاباتها ويُشغلك بحكاية أخرى، النصف الأول من الرواية يقترب من الواقع، والنصف الثاني خيال مجنون، كل ما فيه مُربك ومُحير، ويُزعجك الإشارات التي لم تلتقطها، حتى نهاية الرواية التي تسخر من تطور الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالأدب وتأثيره المستقبلي عليه، ولا أخفي أن هناك جانباً ساخراً متواجداً طوال أحداث الرواية تعلو نغمته وتقل على حسب حاجة الموقف أو مفاجئته، وأدعي أن وزنية الفكاهة الساخرة كانت مضبوطة.
ختاماً..
رواية تعبث بالواقع وتُحاول أن تجعل الخيال أكثر منطقية، تطرح أسئلة عديدة مرتبطة بالكاتب والكتابة، ولا تُقصي القارئ منه، وتُحاول أن تشغله بإجوبة الأسئلة في محاولة لتجنب خيال مجنون قد يعصف بالأدب، وتضرب جرس إنذار للكتاب لكي يفيقوا من وهم الخلود، والتركيز على الكتابة في الحاضر. قراءة أولى للكاتب "أحمد الفخراني"، تُشجع بكل تأكيد على القراءة له مرات أخرى.