هي ذي الآن تموت من فرط ما راوغَت الموت والحق أنها كانت تبدو في كلّ الأعمار التي تدّعيها كاذبة. أحياناً كانت تبدو طفلةً، أصغر كثيراً مما تزعم عادةً، مُجرّد مراهقة. وفي أحيان أخرى كانت تبدو امرأة ناضجة، امرأة تبلغ من العمر أكثر كثيراً من سنوات عمرها التي تنوف على العشرين، وتملك من الخبرة ما يفوق خبراتنا جميعاً. كانت روساريو تبدو أكثر أنوثةً وفتكاً وهي تطارح الغرام. كانت لروساريو القدرة على أن تُفقِد أيّ شخص عقله، وإن لم أفقد عقلي فذلك لأنها لم تسمح لي بذلك. بَيْد أننا لم نذهب إلى أبعد مما رآه الناس قطّ. أعني، باستثناء ليلة واحدة، تلك الليلة، ليلتي الوحيدة مع روساريو المقصّ. أما في ما عدا ذلك، فلم نكُن أكثر من صديقَيْن مُقرّبَيْن كشف كلٌّ منهما للآخر عن حياته كي يظهر أمامه على حقيقته، صديقَيْن لا يملك أحدهما العيش من دون الآخر، كما أدركتُ اليوم وحسب. من طول ما أمضيا من الوقت معاً، ما عاد لأحدهما عن الآخر غنىً. ومن فرط ما تحابّا كما يتحابّ الأصدقاء، أوغل أحدهما في الحبّ أكثر مما تسمح به الصداقة، فكل شيء مباح في سبيل دوام الصداقة، إلّا خيانة الصديق لصديقته إن هو ترك الحبّ يتسلّل بينهما. ففي المرأة هوساً عبثياً يدفعها إلى وصل الرجل الذي يحلو لها، لا الرجل الذي يحبّها. أدركتُ أن روساريو سلّمَتنا نفسها على شطرَيْن: فكانت روحها من نصيبي، وجسدها من نصيب إميليو. غير أني ما زلتُ لا أدري أيّنا حصل على الشطر الأفضل. وهي برفقتهم، كانت تفتقد أكثر ما يعجبها في إميليو، بطنه المشدود، وردفه المحكم، ودغدغة لحيته أيام الآحاد، وأسنانه الكبيرة الناصعة، وكل ما عجزوا هم عن تقديمه إليها، مهما بلغوا من الثراء. و كانت روساريو تتقن اللعب بأوراقها، وتعرف ناسها وتعرف ماذا تتوقّع منهم. وكانت تعرف أن من خذلها سوف يُكافأ بقبلة، ويُجازَى برصاصة من فوهة المُسدّس الملصقة بجسده. وكأن المرء قادر على انتزاع روساريو من قلبه، ثم ردّها من جديد. إن روساريو امرأة إذا وقع المرء في حبّها، ظلَّ على حبّها إلى الأبد. ومع أني لم أنسَها، فلقد شعرتُ بأن الحياة صارت أطيب مذاقاً. بطبيعة الحال، لم يخلُ الأمر من الذكريات، ولا الأغنيات، ولا الأمكنة التي حملَتني على الشعور بأنها عادت مرة أخرى لتزيد حياتي تعقيداً.
تنشّقنا الأنفاس المُشبّعة بالخمر وأحسسنا بالهواء على شفاهنا، أحسسنا بوجنتَيْنا تتلامسان برقّة، وتضغط إحداهما على الأخرى رويداً رويداً، إلى أن تلاقت الشفاه، إلى أن تلمّسَت الشفاه طريقها، ثم تلاقت، فما عادت ترغب في الافتراق، بل إنها تلاصقَت بقوة، وانفرجَت، وبين عضّ الشفاه وجسّ اللسان انتقل إليّ مذاقها، مذاق الخمر والموت.