بين بديع الكتابة وعبق المنكهات وروائحها السخية التي تفيض بالدفء والعذوبة والنوات وزخات المطر مشاعر الفقد والوحدة والوله والخوف فاضت بمشاعرها ومداد قلمها لتخط رسائلًا هي الأعذب والأجمل والأكثر إثارة للشهية وطلبًا للجوع!
فبين فطائر القرفة وكفتة الرز والأرز باللبن الذي يفوح عبيره برائحة الڤانيليا اللذيذة، وتنوعًا ما بين البشاميل والأرز والشوربة، وعبق القرنفل بقدر محدد قليل يؤثر عمقًا في مربى الفراولة حين تطهى في المطبخ والكراميل بلونه البراق المشع، تأكد من وفرة ما هو متاح لديك من خيرات الله، فحتمًا سيصيبك الجوع وستزدرد ريقك وربما تمرر لسانك على شفتيك إمعانًا في التلذذ وانتقالك بجميع حواسك لذاك المطبخ.
المطبخ كما شكل حيزًا هامًا في حياتها هكذا اتخذ مكانة معتبرة في وقت الجائحة، فشكل منفسًا عن المخاوف، وتعبيرًا عن الاهتمام، ورغبة في قضاء الوقت.
في البداية تعجبت من عدم ذكر بطل الكوارنتينا الأول الذي ساهم في اكتساب الشعب بكافة فئاته العديد من الكيلو جرامات التي أساءت توزيعها.
فبسكوت العشر دقائق كان نعم المعين لربات البيوت في قضاء مزيد من الوقت المحبب بالمطبخ مانحة بعض الدفء لمطبخها والفيض بالمحبة والاهتمام لأفراد أسرتها، وربما فضلت هي عليه كعكة الشيكولاتة، فلا أمانع فمن ذا الذي يرفض قطعة من تلك الكعكة التي يتقاطر من عليها الصوص الدبق الغني؟!
أظن أني أتفق مع الكاتبة في قضاء الوقت أثناء الكوارنتينا فيما بين صنع طعام يفوح سعادة عله يعدل مزاج الكون، وبين القراءة ويتخلل هذا وذاك هوس التنظيف.. لم يعد هناك متسع لهفوة، أنظف الأسطح والأرضيات وما يعلق بذاكرتي من أحداث غير مستحبة.
ربما أبطأت قليلًا في القراءة فكيف يصادفني كلمات أغاني لوردة أو لفيروز، أو لكوكب الشرق أو حليم ومنير أو محمد قنديل دون أن أتغنى بها بلحنها المميز الذي يمس الروح بعد مروره من الآذان، والتوقف لبعض الوقت بحثًا في الشبكة العنكبوتية عن متلازمة برونر!
اتفقت معها في الكثير كمحبتها لعطر la vie est belle
ولمزيج ساحر من روائح القرفة والفانيليا، وعشق رائحة الخبز في البيت فيمتلأ خيرًا ودفئًا ويفيض بعبق التوابل والمنكهات معطرًا إياه.
بينما فقط أختلفت مع الكاتبة في محبتي لكل مراحل الغسيل بداية من المساحيق ذات الرائحة النفاذة رغم إثارتها لحساسية أنفي وصدري،
وصولا لنشر الملابس وترتيبها على الحبال.
كتاب ممتع من أدب الرسائل استمتعت به وتلذذت بما يفوح به من عطور ويفيض به من مشاعر
وإليكم القليل من ما جذبني بقلمها مرهف الحس، فبالفعل أن تركت العنان لنفسي سأنقل لكم أضعاف من انتقيت لأضيفه هنا.
* ❞ أننا في الغياب لا نكتب، ولكن نحصي ما في القلب من طعنات؛ لذا تخرج كلماتنا لاذعة مُبَهَّرة تدمع العين وتسيل الأنف، فنتهم البصل بالرغم من براءته.. بالدموع. ❝
* ❞ فالكتابة لدينا يا صديقي. أقصد بـ»لدينا» نحن معشر النساء، بكاء موثق حينما يخوننا الحديث، رثاء لسطر نافق في قصيدة لشاعر كاذب يتلوها بكل صدق لحبيباته، عضٌ على إبهام يقصر طوله بعد كل خيبة، نفحة من ندم وأمل وحلم بهتت ملامحه ❝
* ❞ أفضل الكتابة عن الحكي المباشر، ففي الكتابة لن تعرف أبدًا إن كانت الحروف تخرج صرعى أو متقافزة من الأصابع، لكن في المهاتفة تكشف الندوب المتراكمة في الصوت. ❝
* ❞ استتار دموعي بماء البصل أو ابتسامة ذكرى أرجعها لكلمات أغاني الراديو، هو غطاء استراتيجي هائل لفوضوية مشاعري. ❝
* ❞ ولا شيء يثير شهيتي أكثر من رائحة المخبوزات وهي تنضج في الأفران، آلية العجن والتخمير والخبز وما يسبقها من نخل للطحين تشبه إلى حد كبير مراحل الحياة التي حار الفلاسفة والشعراء في وصفها. ❝
* ❞ تفتنني رائحة القرفة عندما تطالها النار لا يضاهيها شهية لدي إلا ابتسامة محبة دافئة
* ❞ أحب رائحة القرفة المختلطة بالفانيليا بشكل لا يصدق، تثير شهيتي رائحة الفانيليا، وتمدني القرفة بطاقة من اللطافة غير المحدودة، لسعتها مع حدة رائحتها تشبه الأنوثة الفياضة التي تشحذ الهمم للتحدي ❝
* ❞ بشكل أو بآخر نشبه قطع الغسيل، بعضنا لا يتحمل الغسل والعصر، والبعض تبهت ألوانه، وهناك الجديد التي يفسح له مكان خاص على الحبل ويثبت بتلك المشابك الملونة، إلا أن جميعنا في نهاية اليوم تتصاعد منا رائحة مساحيق الحياة. ❝
* ❞ عندما يأتي كيهك يجر بكوفيته أذيال سنة هرمة تحاول أن تمتص الدفء من مطابخ يتصاعد منها رائحة القُرص، وشوربة العدس، وتبث الحياة في أواخر أيامها بدندنات امرأة وهي تجلي الصحون، وتقطع الخضروات لطفل يناغي فراشة ملونة دخلت مطبخها من الشباك. ❝
* ❞ الشتاء يعتنق العنصرية، شريعة أغلب الأحبة؛ يجعل الجميع متأنقًا بحنينه وحزنه وروحه الداكنة، يهش فرحًا لو تسللت الشمس لحنايا روحه، وينتفض بردًا وفزعًا مع زمهرير ليله، يستر الدموع بندف من مطر تختلط به، إلا أنه قاس على الفقراء والوحدانيين، ومن يضيقون بأنفسهم❝
* ❞ اللا خوف هو معقل الجبن، وتؤكد أنه علينا جميعًا أن نخاف من شيء.. أي شيء. ❝
* ❞ هل الكورونا فيروس مخلق لفرض هيمنة سياسية واقتصادية على العالم، أم أنه غضب من الله علينا جميعًا؟، هل غلق دور العبادة وتغيير صيغة الأذان هو ضرورة شرعية لمنع الاختلاط لتحجيم انتشار الفيروس، أم أن الله نفر منا فأغلق دوره في وجوهنا، أم هي عدالة السماء التي ساوت بين المليونيرات والشحاذين في الخوف والألم؟ ❝
* ❞ النكهة كالحكمة؛ تكتسب بالمكوث، والتشبع بما يحيط بنا، تتغلغل التتبيلة باللحم، كما تتغلغل بنا نتائج التجربة فتصيب القلب من مأمن والعقل بمهرب. ❝
* ❞ نحن معشر النساء نشبه القطط كثيرًا في تمسحهن فيمن يحببن بصفة خاصة ومن حولهن بصفة عامة، نصرح بما نريد عبر اتصال جسدي مباشر، نقول: أحسنت بضغطة على الذراع أو الفخذ أيهما أقرب، أقول لصديقتي أحتاجك بشدّي على يديها ❝
* ❞ أعتقد أن العالم في الكوارنتينا صار أكثر عفوية، لولا هذه الجائحة المتوحشة لقُلت أنه أصبح.. أفضل بكل تأكيد
* ❞ قد لا تعلم أن تقطيع البصل لدينا يستدعي اللوعة فيستفز ماء العين فتنهمر بلا وجيب ولا ضجيج مستترة بحرقة البصل، لتخفي حرقة أخرى. ❝
* ❞ دومًا أغطية الرأس لا تواري تمامًا الخبيئة تحتها، الفراولة تخفي الجزء الأنصع تحت غطاء رأسها الأخضر، وتخبئ النساء أفكارًا وثورات وخيالات ناعمة وملعونة تحت رداء الرأس والفضيلة. ❝
* ❞ بما أن السعادة والألم قراران داخليان، وتخمة تثقل أمعاءنا إلى أن نتقيأها فنشعر ببعض التخفف ❝
* ❞ الحب والحرق متلازمان منذ الأساطير الإغريقية وقبلها النقوش الفرعونية على جدران المعابد، والعاشق المتمرس هو من يتقن حياكة بداياته كما الذواقة عند الأكل ❝
* ❞ ألا يجب يا صديقي أن يكون الحب الماء البارد الذي ينسكب ليروي حشاشة القلب، الراحة التي تسري في أروقة الروح، الطمأنينة لكل مرتاب وخائف لا أن يكون هو الخوف من الفوات والممات والانطفاء ❝
* ❞ الفقد يلتهم قلبي، يُفرغني، يفزعني، يصلبني كراية مهترئة على شراع يلوح للراحلين، ❝
* ❞ لم أظن أن هناك ارتباطًا حقيقيًّا إلا ارتباطنا بالحبل السري، وكل ارتباط بعده مجرد خيط رفيع يشبه خيوط العنكبوت، لم أدرك إلا الآن أن لكل منا ولادتين؛ واحدة تدخله الحياة وأخرى تخرجه منها❝
* ❞ حاولت البذات الرسمية والألقاب الرنانة أنسنة الحيوان داخل البعض إلى أن يحدث ما يحرك غريزة الغابة بشكلها المقنع، فنرى المخالب والضواري والجيف المتعفنة بعد جولة الصيد الناجحة. ❝
* ❞ منا من يجوع لوجبة دسمة من لحم أحمر ساخن، ومنا من يكون نهمه وجوعه لحب وعاطفة وأمان، والبعض يقتحمه الجوع لكلمة كقبلة اقتحامية تثير حفيظة العالم. ❝