اسم الكتاب: سيمفونية الموتى
اسم المؤلف: عباس معروفي
التصنيف الأدبي: رواية
عدد الصفحات : 384
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️
____________________________________
السيمفونيات الخالدة رمز الحرية المطلقة، حرية المشاعر المنسابة، والأفكار الخلاقة، حرية الفرد، حرية القرار. خلدت موسيقى تلك السيمفونيات، بكسر القيود.. كل القيود حتى لو كان ذلك القيد هو حاسة السمع! لذا تنساب الموسيقى، لتتخطى الآذان وتخترق القلوب، وتنبت جناحين يحرران الروح لتحلق في فضاء الكون الأبدي.
أما عندما تجلس السلطة على الكرسي أمام البيانو، وتبدأ بطقس طرقعة أصابعها الزيتية البترولية اللزجة ناشرة لزوجة مقززة تلتصق ببشرة المستمعين، وتسد مسامها مانعة إياها من التنفس، ثم تبدأ العزف بنرجسية، فتمنع نوتات وتستبد بأخرى، وتقصي أخرى، وتضغط بإصبعيّ السبابة والوسطى على أزاز بعينها ناشرة صخب حاد مزعج ، تضطرب له قلاع الأذن: مركز التوازن في جسم الإنسان، فتترك رجفة سرمدية لا سكن بعدها ابدا. موسيقى كاتمة، خانقة، تنشر صقيعا، تجمد جناحي الحرية فينكسران. تجمد الأوراق، فيتمزق الكتاب. تجمد الأفكار، فيجن العقل. تجمد الحب، فيموت القلب. تجمد عاطفة الأم والأب والأبناء، فتهلك الأسرة. ويرقص الموتى على موسيقى جنائزية ملطخة بالدماء.
وحينها لابد من الاحتراق لإلزالة السموم وفتح المسام. لا بد من الإحتراق للسكْن . لا بد من الإحتراق، ليذوب الجليد، وتدفء القلوب، لنستعيد الحريات ونرتب الأفكار، وتنساب الأشعار، وتخضر السنديانات، ويغرد السنونو، ليقف الاجتياح والتدخلات، والغارات، وصوت الرصاص، ومزق الكتاب، وكسر القلم، وكتم الكلمة، ونعيق الغراب، ليعيش المثقفون والبسطاء والفقراء لنحتضن الآخر وننقذه من الاحتضار لابد من الاحتراق.
هذا ما عزفه عباس معروفي في رائعته سيمفونية الموتى من خلال أربع مقطوعات موسيقية تتقاطع نهايتها ببدايتها، بصوت مختلف ولحن مختلف، وإحساس مختلف، منتقدا سلطة الدولة، وسلطة الأب وسلطة المال. نادبا أحلام المثقفين الضائعة وحقوق المرأة المسلوبة و الأقليات المهمشة. أمنيات تموت وتدفن تحت أنقاض الثلج الأبيض فتنعق الغربان على تلك الأحلام الضائعة: ثلج.. ثلج.