صمت الفتيات > مراجعات رواية صمت الفتيات > مراجعة Maria Mohammed

صمت الفتيات - بات باركر, علاء عودة
تحميل الكتاب

صمت الفتيات

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"لا يتلبسنّ الأمر عليكم، كانت هذه قصته؛ غضبته هو وأساه هو وقصته هو، أنا كنت غاضبة، أنا كنت أشعر بالأسى، لكن ذلك لم يكن مهما بطريقة ما... "

عندما توشك الرواية أن تنتهي تأتي هذه الكلمات من بريزيس بطلتنا، لتحاول أن تصرف أذهاننا عن إصدار الحكم المحتوم(لقد وقعتِ في حبّ مغتصبك)

لماذا يا ترى تحاول الكاتبة أن تبعدنا عن هذه الفكرة؟ لأنها برأيي هذه الفكرة التي ستظل تدور في ذهن القاريء منذ اللحظة الأولى التي يمسك فيها الكتاب بين يديه، لأن هذه هي القصة التي تم الترويج لها، لكن السيدة بات بارك تحدت المألوف وصورت لنا حزن هذه الفتاة التي كانت ذات يوم زوجة ملك وسيدة مكرمة في قصرها، ثم فقدت كل شيء حتى شرفها، وكان عليها أن تصمت وتتقبل الموضوع بقوة ورباطة جأش لأن الذي أصابها كان شيئا عاديا في ذلك الزمن، المهزوم في الحرب يخسر كل شيء، وتتم محاولة حذف وجوده من التاريخ، ففي الماضي كان هذا مسموحا، لأن هذه طبيعة بشرية، يرغب الإنسان في محو كل ما يخالفه في فورة حماسته وزهوه بالانتصار.

كانت بريزيس صامتة في حضرة كل ما أحاط بها من كوارث، لم تكن نسمع سوى أفكارها التي كانت موزعة بين الأسى والحزن والحقد، كانت تذكر نفسها دائما ألا تغفر لآسريها حتى إن كانت تعلم أن قومها كانوا ليفعلوا نفس الشي بنساء الإغريق لو هزموهم. طوال الرواية تقف البطلة موقف الحياد لكننا ننحاز لأخيل لأنها بين السطور كانت منحازة له، كانت تقدر أنه المنتصر والمنتصر دائما له هيبة خاصة.

لنخرج من الرواية وندخل عقل راويتها، لقد قامت بات باركر بمحاولة رائعة لكتابة الأسطورة بأسلوب واقعي جميل، لم يكن للخيال الإغريقي الخارج من الإلياذة أي وقع عليه، حتى أنه بدا طبيعيا جدا، فأخيل رغم الأسطورة مجرد إنسان فانٍ، وأجدني شاكرة للمؤلفة في تصويرها لنهاية هذا البطل الوحشي الذي أخذ على حين غرة، لأول مرة أتقبل موته لأن الكاتبة أنصفته بالبساطة التي انتهجتها في سرد القصة.

وأقتبس"ما كان أخيل ليستسيغ طريقة موته: سهم بين لوحي الكتف أطلقه باريس زوج هيلانة ثأرا لموت هيكتور، ثمة نسخة أكثر بذاءة حتى من القصة أن السهم كان مسموما، وآخرون يقولون: إن باريس أطلق عليه في عقبه، المكان الوحيد من جسده الذي مكشوفاً عرضة للجروح ، عاجزا ومسمرا بالأرض، قُطّع إربا حتى الموت، وفي كلتا الحالتين، سلاح جبان في يدي جبان: كان أخيل ليرى الأمر بتلك الطريقة، مع أنني أعتقد أنه لربما وجد شيئا من العزاء في حقيقة كونه مات دون هزيمة في قتال فردي وجها لوجه"

وكأن بات باركر تنتقم من هوميروس ومن روايته لنهاية أخيل، لقد جردتها أولا من المرارة التي لابد أنها قد اعترتك كقاريء وجعلتك تتساءل لماذا كان يجب أن يموت هذا البطل الوحشي بهذه السخافة، كانت نهاية ساخرة بشكل سوداوي. وهذا ما يؤكده الاقتباس التالي "عقب أخيل من بين كل تلك الأساطير التي نشأت حوله كانت تلك أسخفها حتى ذاك، يفترض أن أمه في سعي حثيث بائس منها لجعله خالدا_ قد غطسته في نهر ليثي لكنها أمسكته من عقبه، مما جعله الجزء الوحيد من جسده غير المنيع على الجراح المميتة، لقد كان جسده برمته كتلة من الندبات، صدقني فأنا أعلم"

هكذا وضعت المؤلف نهاية للأسطورة، وأعطتنا أخيل نقيا عاديا ولكن لا يقهر، فقد مات غدرا، لم يكن هناك من يجرؤ على هزيمته.

لم ينهزم أخيل إلا عندما خطط للمستقبل، لقد كانت لديه مناعة عندما كان يعيش اليوم بيومه، حتى حزنه على صديق عمره فطرقل لم يقتله، ما قتله كان الأمل، من اللحظة التي عرف فيها أن بريزيس تحمل طفله، عرف أن هذا أضعفه، فقد بدأ يفكر كيف يؤمن مستقبلها وهي مجرد أمة صامتة، وكان يدرك أن زواجه منها لن يفيدها بشيء بل قد يجعلها هدفا لكل أعدائه من بعده.

وكان صمتها مفروضا فهي لم تختر مصيرها وإنما مضت حيث قرر لها الآخرون أن تكون.

وكانت قلقة من أن تفنى سلاسة الطرواديين، حتى رأت إحدى الاماء الطرواديات تغني لرضيعها الإغريقي أغنية طروادية، فأدركت أن هذه احدى وسائل البقاء حتى وإن ظن الإغريق أنهم مسحوا كل ذكر لأعدائهم.

هذه الرواية شكلت رؤية أخرى للأسطورة، وأعادت سد ثغرات القصة بأسلوب سهل بسيط لكنه ممتنع جدا، فليس من السهل القيام بمثل هذا العمل والنجاح في الخروج من التكرار وتلميع الأحداث فقط، فقد خرجت باركر من القصة بقصة أخرى ذات وجه قريب من القاريء حمله معه من رياح طروادة وجعله يعيش حربها وللمرة الاولى يجدها واقعية ومعقولة بدون الحصان حتى.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق