في البداية لم يعجبني ورفضت اكماله
في في جلسة ملل قمت بقراءة الكتاب لاكتشف كاتبا لم اقرء له قبل ذلك
سأعمل على قراءة كل كتبه وكانت القراءة ورقية
رقم اثنان وسبعون / 2024
مواليد حديقة الحيوان
اشرف العشماوي
تطبيق ابجد
""كل ما تغيَّر هو الصورة التي يُغلِّف لهم الحقيقة بها، الصورة التي يظهر بها أمامهم كل ليلة، ممثل يؤدي في كل فصل من المسرحية دورًا مختلفًا، والجمهور يصفق لشخصية ويلعن أخرى، ولا يدري أنه نفس المؤدي في كل مرة،""
"" كل ما أعرفه أن القدر لم يكُن منصفًا معي، لم يمهد لي، لم يُعطني إشارة، رغم إحساسي بالخطر لكني لم أفطن إلى أنها علامة، كان لتوقعاتي سقف، أما تصريفات القدر فتجاوزت عنان السماء هذه المرة بغير مقدمات.""
اشرف العشماوي الكاتب المصري ناقش هنا عبر 285 صفحة من صفحات الكتاب على ابجد ثلاث حكايات.حيث يخوض الكاتب هذ الاصدار “مواليد حديقة الحيوان” الصادر عن الدار المصرية – اللبنانية، حيث يكتب لأول مرة الرواية القصيرة، فيكتب ثلاث روايات في رواية واحدة، تحمل الأولى عنوان “كابينة لا ترى البحر”، والثانية “مزرعة الخنازير”، والثالثة تحمل عنوان الرواية وهي “مواليد حديقة الحيوان كانت الاخيرة منها عنوان الغلاف والرواية حيث ناقش ثلاث قضايا مهمة وهي البطالة والتطرف الاسلامي في حقبة السبعينات أي عهد السادات والاولى ناقشت المجتمع المصري وتحدياته والسلطة الابوية عبر ظلم وقهر اليتيم من قبل جده واعمامه”.
يقول العشماوي “لا يمكنني تأكيد أن الأحداث حقيقية، وفي الوقت ذاته لا أستطيع النفي”، ربما لا يمكنه تأكيد ذلك لأن الحكايات أغرب من الخيال، ولا يمكنه النفي لأن الواقع في أحيان كثيرة يفوق الخيال، خاصة أن جميع الروايات تنظر قضية البطل في المحاكم، ويتولى محام الدفاع عن كل بطل من أبطال الرواية، وهو ما يتناوله في رواياته الثلاث.
ثلاث روايات
جميع الروايات تنظر قضية البطل في المحاكم بينما يتولى محام الدفاع عن كل بطل من أبطال الرواية او هكذا اراد الكاتب الذي يعمل قاضيا ورئيسا لمحكمة الاستئناف بالقاهرة حسب موقع ويك تعرض عليه الكثير من القضايا التي لا يصدقها العقل ويستنكرها المنطق، وترفضها الفطرة السليمة، ولعل هذه الروايات مستوحاة من بعض تلك الحوادث.
الرواية الأولى “كابينة لا ترى البحر” بطلها عارف الفتى المراهق، الذي لا يعرف عن الحياة سوى الفقد، والتعرف على جسده واكتشاف غرائزه في هذه السن، لتنقلب حياته رأسا على عقب بسبب أمنية تمناها كانت تبدو مستحيلة، وليتها ظلت مستحيلة وما طلبها ولا حققها، وكم منا يتمنى الأمنية ويدعي الدعاء ظنا منه أنه خير ثم يكتشف أنه شر محيق، لم يكن يتخيل ما سيحدث له .
الصندوق الذي يحوي حل اللغز، في الروية هي ليبيا التي سافر إليها الجد والتي لم تكن ليبيا في الحقيقة، بين السفر والزواج الثاني والثالث وبين السجن حلا للغز الحقيقي وهنا نطرح سؤال حيث باع ابنتع لماذا من هو راع ومسؤول عن رعيته لا يقوم بحق الرعاية؟ بل يفرط فيها ويهملها ويهينها بل ويدمر مستقبل من يعيل؟ هل نموذج الجد موجود في الواقع؟.
بيع الأب ابنته لثري عربي يتزوجها فترة ثم يرميها حاملا ولا يستطيعون الوصول إليه حتى لطلاقها أو كتابة المولود باسمه هو تفريط في الأمانة واستكانة واستهانة، عمالة الأطفال وحرمان الصغار من حقهم في الطفولة وإرسالهم للخدمة في البيوت (البنات) وإرسال الأولاد لتعلم حرفة في سن صغيرة استكانة واستهانة، تزويج القاصرات رغما عنهن استهانة واستكانة وتفريط، إذا عادت الابنة إلى بيت أبيها بعد ضرب زوجها لها فيرفضها الأهل ولا يقفون أمام الزوج دفاعا عن حق ابنتهم بل ويعيدونها إليه ويطلبون منها أن تتحمل فيقتلها الزوج هو استهانة واستكانة، ومن هذه النماذج يمكنني أن أقول إنها كثيرة خاصة في الأوساط الفقيرة التي يصل فيها الأمر إلى بيع “الضنى” -الابن- لأسرة غنية لصعوبة الإنفاق عليه، فلماذا أنجبوه؟
تبدأ الرواية بوصف مشاعر الحزن على الأم ولحظة الدفن وتلقي العزاء، فيبدأ اتضاح شخصية الجد الشديد المتحكم غير الحنون وغير المتفهم، الذي يأمر فيطاع، وشخصية الجدة التي لا تملك من أمرها شيئا على الإطلاق، وحياة الحفيدة، وأخت البطل التي ليس لها من اسمها نصيب على الإطلاق، بل ويصفها عارف أخوها بأنها خبيثة، ويرى أنها تبدو بريئة وطفلة في جسد آنسة، لكنها ليست كذلك، عارف الفضولي الذي يعرف ما حوله ولديه حدس قوي في الأشخاص، جريء في بعض المواقف، خاضع في أخرى، عاجز أغلب الوقت.
الحلم وتفسيره، حيث يرى عارف مناما ويشعر بحدسه أن شيئا خطيرا سيحدث له، وحين ماتت حياة ظن أن هذا هو الأمر الخطير، حتى صارحه جده بطلبه، وهذا ما ظهر في رمزية الحلم أن جده كان يغرقه في الماء. كم يشقى المرء بدعائه، وكم منع الله عنا شرورا بعدم إجابة الدعاء. تندهش كونهم أسرة بسيطة إلى هذا الحد ورغم ذلك لديهم خادمة، هذا الأمر ليس شائعا الآن، لديهم خادمة رغم ظروفهم المادية فالجد على المعاش، والخادمة ليست كبيرة في السن، فقد كان تهديدها بكشف سرها مع سائق الباشا سبيلا لعارف ليقيم علاقة معها ويقع في الخطيئة.
الأحلام البسيطة للبسطاء كما تقول الروايات الثلاث مجتمعة تودي بهم إلى حتفهم ونهاية مأساوية غير متوقعة
.الرواية الثانية “مزرعة الخنازير” هي أطول الروايات، وربما أصعبها، تحكي عن تاجر الخنازير فايز حنا الذي يعيش في فترة حكم السادات، وقت التحول الكبير في المجتمع المصري، والذي كان متوجسا منذ ظهور جماعات دينية متشددة خاصة في الصعيد، فبدأوا في إصدار فتاوى متشددة، وأصبحت كلمتهم مسموعة وفوق القانون، وأصبح الجميع ينفذ أوامرهم، قناعة بما يقولون أو خوفا من بطشهم.
في بداية الرواية تختار العرافة فايز من بين كل من في الغرفة بالمحكمة وتسحب كفه لتقرأه له وتقول له بلهجة حاسمة “إذا نظرت قضيتك ستموت”، لتمضي حياة فايز في الخطة التي رسمها له المحامي، حتى إذا قبل نهايته بوقت وجيز يرى في المنام “غرابا كبيرا يحوم حول رأسه، ثم هبط عليه ونزع عمامته ونقر جبهته فأدماها”، ولا أعرف هل سأل العشماوي مفسر أحلام عن رمزية الأحلام في المنامات، أم اعتمد على الرمزية الشائعة للغراب في منام فايز، ففي تفسير الأحلام الغراب هو شخص يوحي بأنه سيحقق لك الأحلام ولكن ذلك لا يتعدى كونه كلاما، وإذا واجهته يكشر ويعبس في وجهك، وكان مساعد أمين التنظيم هو من وراء نهاية فايز والمحامي والخادم، وهو الغراب في المنام.
والرواية تعرض لشخصية الأثرياء الجدد الذين ظهروا في فترة الانفتاح الاقتصادي في نهاية عهد السادات، وتلقي الضوء على التحول الاجتماعي والثقافي والنظرة للآخر والسطحية والازدواجية والحكم بالمظاهر المقدم على جوهر الإنسان، والتدين الشكلي الذي غزا المجتمع المصري منذ ذلك الحين ومازال المجتمع يعاني منه حتى الآن.
فترى شخصية الرجل المهيب الذي يصلي وسط الناس ويسمع شكواهم، مع العلم انه مسيحي اجبر على اعلان اسلامه للهروب من الجماعات الدينية التي كانت تطارده لذلك لا يستغرب القاؤرئ وعندما يرى فايز يمرر صفقة لحم الخنزير على أنها لحم ضأن. والجملة المعبّرة على لسان المحامي لفايز “منين ما تأمن يجيلك الخطر” كأنها كانت رسالة تحذيرية لكليهما، فقد تحققت مع كليهما. ويظهر توظيف العشماوي للأحداث المتنوعة في زمن الرواية، والذي يمكن تحديده في عام 1977 سنة إصدار السادات قرار منع ذبح المواشي ومقاطعتها، وفنيا: عرض مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” الذي بدأ سنة 1976 وصورت للتلفزيون سنة 1978.
ناقشت هنا ماحصل بسبب الانفتاح الاقتصادي من خلال التزاوج بين السلطة ورأس المال وضح جليا في تلك الفترة ومازال مستمرا حتى الآن، فهذا مساعد أمين التنظيم يُمَرِّر كالرجل المهيب صفقة لحوم الخنازير، بل ويدخل فايز حنا الذي أصبح الشيخ فايز مجلس النواب بعدما رأى التفاف الناس حوله للاستفادة من سمعته واسمه وشهرته بين الناس، ولكن حين أصبح الأمر على وشك اكتشافه ضحى بالجميع للحفاظ على الكرسي لأنهم ببساطة مثل رضا -خادم فايز- “ضمن قائمة طويلة بأسماء اللاعبين مع الكبار الذين خرجوا عن قواعد اللعبة أو عرفوا أكثر مما ينبغي ولو بالصدفة، ولم يدركوا يوما أنهم سيكونون عبئا على السفينة، وحمولة زائدة لا بد من التخلص منها قبل الرسو على البر”.
أما الرواية الثالثة “مواليد حديقة الحيوان” فتحكي عن الشاب إسماعيل، شخص آخر من الأشخاص المهمشين في الحياة ولكن في نهاية فترة الرئيس السادات وتحديدا قبل اغتياله وبداية ولاية الرئيس مبارك الأولى، إسماعيل شاب يرغب مثل أي شاب في سنه أن يتزوج حبيبته ويحصل على شقة من وزارة الإسكان، في سعيه لتحقيق هذا الحلم يقع فريسة لمدير حديقة الحيوان التي ولد فيها، لذلك فهو من مواليد حديقة الحيوان، كان حلمه ذنبه، ففي سبيل تحقيق هذا الحلم استمع لنصيحة ورأي محامي بأن ينقل بعض الأثاث القديم إلى الاستراحة التي كان يعيش فيها والده وولد فيها، ومحل ميلاده عليها، الأمر الذي جعله طوال عمره مثار تنمر ممن حوله.
ولكن الأحلام البسيطة للبسطاء كما تقول الروايات الثلاث تودي بهم إلى حتفهم ونهاية مأساوية غير متوقعة لهم، فبالفعل تتحول فكرة المحامي التي عجز إسماعيل عن تحقيقها إلى نقطة لابتزازه من قِبل مدير الحديقة، فيجعله يرتدي هو وخطيبته ملابس أسد ولبؤة ويوضعان في قفص الأسد بديلا للأسدين اللذين توفيا بسبب صفقة لحوم حمير فاسدة تورط فيها المدير، ولا ينجو إسماعيل بالصدق وإنما ينجو بحيلة المحامي، ولكن نجاته ليست كاملة فقد اتهم بالفعل الفاضح هو وخطيبته في الحديقة، ولكنهما نجيا من تهمة قلب نظام الحكم، لأن الأحداث دارت وقت اغتيال السادات.
عدو البطل هنا هو مدير الحديقة، الذي أظهر الود الزائف عند احتياجه للبطل، رغم أنه مارس عليه أقصى درجات الاحتقار حين عينه حارسا لقفص الفيل وهو طبيب بيطري، ولأن عارف ضعيف ويحتاج إلى أي فرصة وعمل وافق على ذلك، ثم وافق على إذلال نفسه وخطيبته بارتداء ملابس حيوانات وأداء حركاتها في مهانة ارتضاها لنفسه ولمحبوبته التي لم تتخل عنه قط.
في الرواية الأولى الراوي هو البطل، في الرواية الثانية والثالثة الراوي هو الراوي العليم.
تدور روايتان في فترة حكم السادات، والثالثة في الوقت الحالي، رسم الشخصيات بتفاصيلها الدقيقة الشكلية والنفسية والاجتماعية، ورسم نقاط التحول لكل شخصية، وماضيها وأزمتها، وصراعها مع القانون، مرتين دون ذنب، ومرة بذنب لا يستحق تلك النهاية، تتفاوت أعمار الأبطال بين طفل وشابين، اثنان من أبطال الروايات مسلمان، والثالث مسيحي اضطر إلى ادعاء إسلامه للهروب من الموت ولكنه مات، وكأن ما تهرب منه يطاردك أكثر. وقع بطلان في قصة حب كان لها تأثير في مجريات حياتهما وخيارتهما وقراراتهما بل ومصيرهما، بالطبع هذان البطلان هما بطلا الرواية الثانية (مزرعة الخنازير) المسيحي فايز حنا، وبطل الرواية الثالثة المسلم إسماعيل.