جنازة حارة... والميت ؟!
المبروك مات اليوم بالكورونا ثم عاد للحياة، فالموت مُعدٍ كما الحياة!!
قراءتي الأولى لإحدى أعمال الكتاب محمد عبد الجواد، حيث دارت بينا الأحداث في محلة بدران وكبيرها شريف البيض!
البيض، هو اسم شهرة قد ناله بسبب محبته الجمة للبيض الذي يبتاعه من محل اللاوندي.
كانت زيارته الدورية مطلع كل شهر بمثابة مأدبة يقتات على الأخضر واليابس من مستأجري محاله التجارية وهو يطالب بالإيجار، فكان الجميع يسأم زيارته.
تُرى، ماذا سيتردد في القرية فقط حين يتأخر مدة زمنية قدرها ساعة بالتمام عن زيارة أول محل في مطلع الشهر الجديد، بل وبالحري، ماذا سيتردد حين يكون هذا في العيش في ذروة الجائحة ؟!
فاتفقوا جميعا فيما بينهم على ترك الرجل لمصيره، ليس فقط خوفا من الكورونا، ولكن انتظارا لسقوطه الأخير، حتى بدون أن يتفقوا فعليًا.
وماذا عن شريكة حياته، فالعشرة لا تهون ولو كانت مع فرعون، ولأن الست صفاء أصيلة لم تقف مكتوفة الأيدي؛
فبدأت المسيرة، وبعد أن كان السبب الأول في مشاركة الجميع لها هو التودد لها كونها محسنة وبيضاء اليد، معطاءة،
صار بعد وقت قليل حالة من الإشفاق على الحاج شريف البيض.
وكأنهم قد نسوا كل ما تلقوه من بيض فاسد من قبل الحاج شريف.
ظن الدكتور عادل شاهين أنه بمزاعمه العلمية سيعمل على كبح المسيرة، وحين لم يلتفت أحد لنداءاته، اعتصم في عيادته.
لنرى الأحداث تتصاعد بتروي مدروس في سلوك سكان القرية وكيفية تعاملهم مع الأمر وفرحتهم بالعائد من الموت المزيف وكأنها قيامة جديدة يتجدد معها إيمان الجميع.
لينتهي بعدها الفرح بعد ثلاثة أشهر بالتحديد، ليبدأ الحاج شريف عهده الجديد!
في نهاية النوڤيلا، لم يتركنا الكاتب بدون جنازة، حارة!
لكنها كانت حارة بحق، تحفل بكل مظاهر الحب والود.
العمل من وصفه كنوڤيلا يمكنك الانتهاء منه في جلسة واحدة، تستطيع بضمير مرتاح وصفه كحكاء بارع يعي كيف يثير شهيتك لإكمال ما بدأه من حكايا، ربما تقوم كاملة على مهارة السرد، وجب التنويه أيضًا بلجوء الكاتب لاستخدام ألفاظ دارجة شعبية ويمكن وصفها أحيانًا بالسوقية، لكن ربما وجد لها مبررًا لإضفاء الواقعية على أهل قرية محلة بدران.
وتذكر أن، البيض لا يفقس أبدًا سوى عندما توحد دجاجة تقوم بتلك المهمة بطيب خاطر، وفي عشة مليئة بالوحل.